بَابِ النَّوَاهِي، إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيرَةِ الْخَلْقِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا وَكَلَ وُجُوبَهُ إلَى خِيَرَةِ الْخَلْقِ فَإِنْ شَاءُوا أَوْجَبُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِإِنْشَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَكَمَا جَعَلَ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ جَعَلَ الْأَسْبَابَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمَالِكِ النِّصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِلْعِبَادِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَهُوَ شَرْطُ النُّذُورِ وَالطَّلَاق وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ السَّبَبِ فِيهَا فَإِنَّهَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ وَلَمْ يَحْصُرْ ذَلِكَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَمَا حَصَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ الْمَنْذُورَاتِ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرَ إلَّا فِي نَقْلِ مَنْدُوبٍ لِوَاجِبٍ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّذْرُ بَلْ عَمَّمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُمَكَّنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْمُكْتَسَبَاتِ كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْأَمْطَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اكْتِسَابٌ اخْتِيَارِيٌّ فَأَيُّ ذَلِكَ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَنْذُورٍ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ وَالْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا قُصُورُ مَصْلَحَتِهِ عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ مَصْلَحَةُ النَّدْبِ وَالِالْتِزَامُ لَا يُغَيِّرُ الْمَصَالِحَ
ثَانِيهِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يُنَاسِبُ الْوُجُوبَ كَالْأَسْبَابِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَوْنُ الْمَنْذُورَاتِ مُسْتَثْنَيَاتٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ أَشَدُّ بُعْدًا عَنْ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ انْتَقَلَتْ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتُ فِيهَا أَصْلُ الْمَصْلَحَةِ وَأَمَّا فِي الْأَسْبَابِ فَقَدْ يَحْصُلُ مَا هُوَ قَدْ عَرِيَ عَنْ الْمَصْلَحَةِ أَلْبَتَّةَ كَطَيَرَانِ الْغُرَابِ وَصَرِيرِ الْبَابِ وَعُبُورِ النَّامُوسِ فَلَوْ قَالَ إنْ طَارَ الْغُرَابُ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا عَلَّقَهُ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَصَارَتْ الْأَسْبَابُ أَبْعَدَ عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ بُعْدِ الْأَحْكَامِ فِي أَنْفُسِهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ اعْتِبَارَ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَإِقَامَةَ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ لِلْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّرَائِعِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتْبَعَ الْمَصَالِحَ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهَا قُلْت الْأَسْبَابُ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَكَمَا أَنَّ عِظَمَ الْمَصْلَحَةِ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي عَادَةِ الشَّارِعِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا سَبَبٌ آخَرُ إذَا فُقِدَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ وَهِيَ مَصْلَحَةُ أَدَبِ الْعَبْدِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَنَّهُ إذَا وَعَدَ رَبَّهُ بِشَيْءٍ لَا يَخْلُفُهُ إيَّاهُ لَا سِيَّمَا إذَا الْتَزَمَهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ فَأَدَبُ الْعَبْدِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحُسْنِ الْوَفَاءِ وَتَلَقِّي هَذِهِ الِالْتِزَامَاتِ بِالْقَبُولِ خُلُقٌ كَرِيمٌ هُوَ سَبَبُ خُلْفِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي فِي نَفْسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النُّصُوصِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ إلَّا اسْتِعْمَالُ الثَّلَاثِ فِي الِاثْنَيْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَجَازُ فِي الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ النِّيَّةُ هَا هُنَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ أَلْبَتَّةَ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ)
إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ وَحَاشَى زَوْجَتَهُ أَيْ نَوَى إخْرَاجَهَا مِنْ مَفْهُومِ الْحَلَالِ جَرَى فِي ذَلِكَ خِلَافُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ هَلْ يُجْزِئُ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ عَنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ مُنْشَأَ هَذَا الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فَيُجْزِئُ بِالنِّيَّةِ أَوْ النَّظَرُ إلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا نُطْقًا اهـ.
(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَقِيت الْقَوْمَ وَنَوَى فِي نَفْسِهِ إلَّا فُلَانًا لَا تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَّةُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا فُلَانًا وَيَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالنِّيَّةِ اللَّفْظَ الْمُخْرِجَ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا فُلَانًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْإِخْرَاجَ وَالنِّيَّةُ شَأْنُهَا أَنْ تُؤَثِّرَ لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ مُؤَثِّرٍ آخَرَ وَيُضَافُ التَّأْثِيرُ لِذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ الْآخَرِ وَهُوَ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لَا لِلنِّيَّةِ وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا، أَمَّا لَوْ قَصَدَ الْإِخْرَاجَ بِهَا هِيَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ قَصْدُهُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ أَيْ اللَّخْمِيُّ وَقِيلَ تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ وَتَنُوبُ مَنَابَ الِاسْتِثْنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي النُّصُوصِ نَحْوُ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ قَابِلًا لِلْمَجَازِ أَلْبَتَّةَ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ بِمُفْرَدِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ فَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ)
يَقْتَضِي الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ صُوَرًا كَثِيرَةً وَقَعَتْ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا أَنَّ عَقْدَك عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبَاحٌ تَرْتَفِعُ إبَاحَتُهُ لَك بِمُجَرَّدِ عَقْدِ