أَمْرًا بِإِعْتَاقِ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَتِلْكَ وَجَمِيعِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي حُصُولِ مَاهِيَّةِ الرَّقَبَةِ شَخْصٌ مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْجُزَيْئَاتِ الْحُكْمُ مُنْعَكِسٌ بَيْنَهُمَا فَهَذَا التَّخْرِيجُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَلَا يُفْتِي بِهِ فَقِيهٌ وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْمَعْطُوفَاتُ نَحْوُ.
وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا، وَالْجُمُوعُ وَالتَّثَنِّيَاتُ نَحْوُ لَا أَكَلْت الْأَرْغِفَةَ أَوْ الرَّغِيفَيْنِ، وَأَسْمَاءُ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُفْرَدَةِ كَالرَّغِيفِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْخِلَافُ فِيهَا وَاحِدٌ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَعِنْدَنَا بِالْبَعْضِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ، فَنَقُولُ أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِصِيغَةِ لَا النَّافِيَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنْ لَا إذَا أُعِيدَتْ فِي الْعَطْفِ أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ نَفْيًا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ - وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ - وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر: 19 - 21]
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَالْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ أَمْرًا بِإِعْتَاقِ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَتِلْكَ وَجَمِيعِ الرِّقَابِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُفْتِي بِهِ فَقِيهٌ) قُلْت الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ أَمْرًا بِكُلِّيٍّ بَلْ بِمُطْلَقٍ وَهُوَ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ آحَادِ الْكُلِّيِّ وَلَمْ يَزَلْ بِهِ تَوَهُّمُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْكُلِّيُّ يُوقِعُهُ فِي الْخَطَأِ الْفَاحِشِ وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْكُلِّيِّ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزْئِيَّاتِهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْجُزْئِيَّاتِ.
قَالَ (وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْحَاجِبِ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إلَى قَوْلِهِ بِصِيغَةِ لَا النَّافِيَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا) قُلْت مَا حَكَاهُ لَا كَلَامَ فِيهِ.
قَالَ (وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنْ لَا إذَا أُعِيدَتْ فِي الْعَطْفِ أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ نَفْيًا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا) قُلْت لَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْإِجْمَاعِ وَتَسْلِيمُ كَوْنِ إجْمَاعِ النُّحَاةِ حُجَّةً لَا يَلْزَمُ عَنْ كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةً لَهُ أَنْ لَا يُفِيدَ تَكْرَارُهَا فَائِدَةً غَيْرَ النَّفْيِ بَلْ يُفِيدُ رَفْعَ احْتِمَالٍ ثَابِتٍ عِنْدَ عَدَمِ تَكْرَارِهَا وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا لَا مِنْ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدَهُمَا
وَثَانِيهِمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا فَإِذَا تَكَرَّرَتْ لَا يَتَعَيَّنَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَلَا يَتَنَاوَلُ إجْمَاعُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ إفَادَتِهَا رَفْعَ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَشَأْنُ التَّوْكِيدِ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ النُّحَاةِ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ لَا إذَا تَكَرَّرَتْ فِي الْعَطْفِ لَا تُفِيدُ فَائِدَةً غَيْرَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ بَلْ قَالُوا لَا تُفِيدُ إنْشَاءَ النَّفْيِ بَلْ تَأْكِيدَهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهَا لَا تُفِيدُ إنْشَاءَ النَّفْيِ بَلْ تَأْكِيدَهُ أَنْ لَا تُفِيدَ شَيْئًا غَيْرَ تَأْكِيدِ النَّفْي مَعَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ هَذَا كُلُّهُ عَلَى تَسْلِيمِ إجْمَاعِهِمْ وَكَوْنِهِ حُجَّةً وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فَلِأَنَّ التَّاءَ فِي نَحْوِ عَظَمَةِ اللَّهِ لَيْسَتْ لِلْوَحْدَةِ بَلْ لِلتَّأْنِيثِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا فَيُقَيَّدُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ الْعُمُومُ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّاءُ فِي نَحْوِ عِزَّةِ اللَّهِ وَإِنْ أَفَادَتْ الْوَحْدَةَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعَرَبِ تُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَزَّ زَيْدٌ عِزًّا وَعَزَّ عِزَّةً فَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِزِّ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً فَإِذَا وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ أَوْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ الْمُوجِبَتَيْنِ لِلْعُمُومِ كَانَ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَإِنْ فُقِدَتْ الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَقِيَ مُطْلَقًا وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ عَزَّ زَيْدٌ عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَلَا تُفِيدُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعْمِيمًا لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِالتَّاءِ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إنَّمَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ اهـ
فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لَفْظَ الْعِزَّةِ وَنَحْوَهُ لَا يَتَنَاوَلُ مُحْدَثًا كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ صِفَةَ كَمَالٍ قَدِيمَةٍ وَشُمُولُهُ صِفَةَ الْفِعْلِ عَلَى مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَصْدَرِهَا الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ التَّقْدِيرُ لَا بِاعْتِبَارِ حُدُوثِهَا لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْعِزَّةِ وَلَيْسَ الْمُدْرِكُ فِيمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ
هُوَ تَرَدُّدُ الْعِزَّةِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ بَلْ الْمُدْرِكُ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هُوَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْعِزَّةِ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا أَوْ أَمْرًا سَلْبِيًّا فَإِنَّهُ عَزَّ بِصِفَاتِهِ الثُّبُوتِيَّةِ كَمَا عَزَّ بِصِفَاتِ تَنْزِيهِهِ السَّلْبِيَّةِ فَافْهَمْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ)
أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا كَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ تَنْقَسِمُ تَقْسِيمَيْنِ
(التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ) إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ