وَعَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ الْبَقَاءَ لَا يُعْقَلُ فِي الْمُحْدَثَاتِ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ فَهُوَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُودِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ هَذَا الْمَعْنَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْأَبَدِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ التَّخْرِيجُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ صَحِيحٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الْأَزَلِ يَكُونُ حَادِثًا قَطْعًا وَأَمَّا الْبَقَاءُ فَوَاقِعٌ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْوُجُودِ كَمَا حَصَلَ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ حَصَلَ بِالْأَزَلِ وَفِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ حُدُوثٌ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ وَأَمَّا عَدَمُ الْعَالَمِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ لَا نَعْتَبِرَ الْقَدِيمَ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ عُدِمَ الْعَالَمُ بَلْ عُدِمَ كُلُّ حَادِثٍ قَدِيمٍ.
وَلَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلَا وَعَدَمُ الْعَالَمِ وَالْحَوَادِثِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَمْ تُشْرَعْ بِهِ يَمِينٌ (فَائِدَةٌ) اُخْتُلِفَ فِي الْقِدَمِ هَلْ هُوَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ بِقِدَمٍ كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ أَوْ هُوَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ لَا زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ قِدَمُهُ اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ مَعَ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُتَوَهَّمَةِ الِاسْتِمْرَارِ نِسْبَةً بَيْنَ الْوُجُودِ وَالذَّاتِ وَكَذَلِكَ جَرَى الْخِلَافُ فِي الْبَقَاءِ هَلْ هُوَ وُجُودِيٌّ أَمْ لَا.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ وَسَلْبُ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ وَسَلْبُ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ السُّلُوبِ نَحْوُ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَقْدِيسِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فَالْوَحْدَانِيَّةُ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ الْعُقُوبَةِ وَالْحِلْمُ تَأْخِيرُهَا فَهَذِهِ السُّلُوبُ مِنْهَا قَدِيمٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ السُّلُوبُ قَدِيمَةٌ هِيَ أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ فِي اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَقُولَ وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْعِدُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَمِنْهَا سُلُوبٌ مُحْدَثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ.
وَكَذَلِكَ حِلْمُهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْحِلْمِ إنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّ هَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْحِلْمَ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ وَالْعَفْوُ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْوَالِ مَعَانِيهَا النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ.
فَكَمَا نَقُولُ كَوْنُ السَّوَادِ سَوَادًا وَكَوْنُ الْبَيَاضِ بَيَاضًا حَالَةٌ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ فَلَيْسَ خُصُوصُ السَّوَادِ بِاَلَّذِي امْتَازَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ بَلْ السَّوَادُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ وَحَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ لَهَا صِفَةٌ بَلْ يُوصَفُ بِهَا وَلَا تُوصَفُ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ حَقِيقَةً تَقُومُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعَانِي كَذَلِكَ تَقُولُ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلْمًا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَحَالَةٌ لَهُ لَيْسَتْ صِفَةً مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ قَائِمَةً بِالْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ فَالْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ هُوَ حُكْمٌ نَفْسِيٌّ وَحَالَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ وَمَعْنَى السَّلْبِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَ الذَّاتِ وَجَمِيعِ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ كُلِّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَجَمِيعِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ إذْ لَا صِفَةَ وُجُودِيَّةً مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الشِّرْكَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ كَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (أَوَّلًا) بِأَنَّ عَدَمَ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ إجْمَاعًا لَا يَصِحُّ لَا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِوُجُودٍ مُنْفَرِدٍ بِذَاتِهِ غَيْرَ مُشَارَكٍ فِيهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي وُجُودِهِ ضِمْنَ أَفْرَادِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ غَيْرُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا عَلَى إنْكَارِ الْحَالِ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِوُجُودِهِ وَإِمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ فَإِمَّا عَلَى أَنَّ الْحَالَ هُوَ الْأَمْرُ الذِّهْنِيُّ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي وُجُودِهِ ضِمْنَ إفْرَادِهِ كَمَا مَرَّ.
وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْحَالَ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي مَحَلِّهِ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِحَالِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُجُودِ (وَثَانِيًا) بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي أُصُولِ مَفْهُومَاتِ الْعِلْمِ وَمَا مَعَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَنُطْقِ الْعِلْمِ مَثَلًا بَيْنَ