وَلَا لِلذَّهَبِ الْكَثِيرِ وَالدَّنَانِيرِ دِينَارٌ.
وَإِنْ قِيلَ لَهُ الذَّهَبُ بَلْ لَا تَصْدُقُ هَذِهِ النَّكِرَاتُ إلَّا عَلَى هَذَا الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَصَارَتْ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ إنَّمَا نَقُولُهُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَّا الَّتِي لَا تَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَإِنَّ إضَافَتَهَا لَا تُوجِبُ تَعْمِيمًا وَلِذَلِكَ يُفْهَمُ الْعُمُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَالِي صَدَقَةٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي حُرٌّ وَلَا امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ لَا يُفْهَمُ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَّا فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ إذَا كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ بِدَلِيلِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ غَايَةَ الِاتِّجَاهِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنًى صَحِيحًا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فَقَوْلُنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَانَةٌ بَلْ أَمَانَاتٌ وَلَا أَنْوَاعُ الْعِزَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّهَا عِزَّةٌ بَلْ عِزَّاتٌ وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْكَثِيرَةُ وَلَا يُقَالُ لَهَا قُدْرَةٌ بَلْ قُدُرَاتٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا هُوَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاحِدِ نَحْوُ تَمْرَةٌ وَبُرْمَةٌ وَضَرْبَةٌ وَجُرْحَةٌ وَإِقَامَةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَالَةُ الْإِضَافَةِ تَتَنَاوَلُ إلَّا الْوَاحِدَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا عُمُومَ فِيهِ حَتَّى يَشْمَلَ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ فَيَبْقَى مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْمُحْدَثُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى تَحْصُلَ شُهْرَةٌ وَنَقْلٌ عُرْفِيٌّ فِي الْقَدِيمِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ وَهَذَا حَسَنٌ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ الْكَثِيرَ يُسَمَّى عِلْمًا بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِخِلَافِ الْحَيَاةِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مَبَاحِثُ حَسَنَةٌ يُمْكِنُ الْجُنُوحُ إلَيْهَا فِي مَجَالِ النَّظَرِ وَتَحْقِيقِ الْفِقْهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ مَعَانِيهَا مَوْجُودَةً قَائِمَةً بِالذَّاتِ وَلَا هِيَ سَلْبُ نَقِيصَةٍ كَقَوْلِنَا لَيْسَ بِجِسْمٍ بَلْ صِفَاتُ ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ لِتِلْكَ الذَّاتِ كَمَا نَقُولُ فِي السَّوَادِ إنَّهُ جَامِعٌ لِلْبَصَرِ وَالْبَيَاضِ إنَّهُ مُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ وَتَصِفُهُ بِذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقَهُ فِي الْبَيَاضِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ ثَابِتَةٌ لِتِلْكَ الْحَقَائِقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَدَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْأَزَلِيَّةَ إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ وُجُودَهُ لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَالْأَبَدِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ وَوُجُودُ الْوُجُودِ نَفْيُ تَبَدُّلِهِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِجُمْلَتِهَا سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ هَذَا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ أَوْ إمَّا عَلَى إثْبَاتِهَا فَذَلِكَ مُتَّجَهٌ عَلَى أَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِ الْبَارِي مِنْ آلِهَتِهِمْ.
اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ.
اهـ قَالَ الْأُنْبَابِيُّ وَقَدْ عَارَضَ شَاعِرَهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ بِقَوْلِهِ:
عَلَوْت بِالْكِذْبِ يَا ابْنَ الْأَخْبَثَيْنِ أَبًا ... وَأَنْتَ مُغْوِي الْوَرَى لَا زِلْت شَيْطَانَا
قَالَ وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ لَمْ يَقُولُوا مَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا بِالْوُقُوفِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لُغَةً وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْوَضْعِ عَدَمَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اخْتِصَاصَ الْمُشْتَقِّ بِشَيْءٍ بِحَيْثُ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَاسِدًا لُغَةً وَإِنْ قَامَ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْوَاضِعِ أَنَّ هَذَا الْمُشْتَقَّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي ذَاتِهِ لَكِنْ حَيْثُ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ الْمَوْثُوقُ بِهِمْ اخْتِصَاصَهُ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُعْدِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَعْوَى سَمِّ عَدَمَ الدَّلِيلِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَا تُسْمَعُ وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَخَذُوا عَنْ الْعَرَبِ مُشَافَهَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الرَّحْمَنِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى وَهُوَ دَلِيلُ اشْتِرَاطِ الْوَضْعِ فَإِنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَرَبِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ بِمُقْتَضَى مَا يَعْلَمُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ حُكْمِ الْوَاضِعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَوْنُ الْعَرَبِيِّ يَخْرُجُ بِتَعَنُّتِهِ عَنْ اللُّغَةِ وَيُكَابِرُ فِيهَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ.
فَالْحَقُّ هُوَ الْجَزْمُ بِخَطَأِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى وَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ لُغَةً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مُسَلَّمٌ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ التَّجَوُّزِ فِي الْأَعْلَامِ لِأَنَّ سَبِيلَ هَذَا أَيْضًا نَقْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ فَلَفْظُ الْجَلَالَةِ مُسْتَثْنًى بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا مَحَلَّ لِهَذَا الْإِشْكَالِ وَلَا لِدَعْوَى عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى وَلَا لِدَعْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مَجَازًا بِعِلَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ التَّجَوُّزِ فِي الْأَعْلَامِ.
وَكَذَا لَا مَحَلَّ لِدَعْوَى أَنَّ الْمُخْتَصَّ بِهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفَ بِأَلْ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -