ابْنُ حَبِيبٍ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ وَسَبَبُ هَذَا التَّقْسِيمِ اخْتِلَافُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَالْأَوَّلُ لَمَّا قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَأَشْعَرَتْ لَفْظَةُ عَلَيَّ بِتَكْلِيفِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامِهِ وَأَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُوَظَّفٌ عَلَيْهِ فَنَاسَبَ اللُّزُومَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَيْ يَلْزَمُنِي تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فَإِنَّ عَلَيَّ مَعْنَاهَا اللُّزُومُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِالضَّرَرِ وَلِذَلِكَ تَقُولُ شَهِدَ عَلَيْهِ إذَا أَضَرَّ بِهِ وَشَهِدَ لَهُ إذَا نَفَعَهُ وَهَذَا الْقَسَمُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ لِلَّهِ وَلَكِنْ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ فَهُوَ وَعْدٌ مِنْهُ لِلْمُخَاطَبِ بِأَنَّهُ يُعَاهِدُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا الْقَسَمُ أَبْعَدُ عَنْ اللُّزُومِ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ أُعَاهِدُك اللَّهَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَعْنَاهُ إنْشَاءُ الْمُعَاهَدَةِ وَالْإِلْزَامِ كَإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ بِلَفْظِ الْمُضَارَعَةِ نَحْوُ أَشْهَدُ عِنْدَك بِكَذَا وَإِنْشَاءُ الْقَسَمِ بِالْمُضَارِعِ أَيْضًا نَحْوُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَعَدَا عَلَى بَابِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ إنْشَاءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَمَنْ لَاحَظَ الْإِنْشَاءَ أَلْزَمَ وَمَنْ لَاحَظَ الْخَبَرَ لَمْ يُلْزِمْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ.
وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَعَهْدِ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا بِوَاوِ الْقَسَمِ فَهَذَا قَسَمٌ صَرِيحٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ وَبَقِيَ فِيهِ إشْكَالُ الْإِضَافَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَلْ الْمُضَافُ الْعَهْدُ الْقَدِيمُ أَوْ الْحَادِثُ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَهَذَا الْقِسْمُ عِنْدِي أَصْرَحُ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَإِنَّ أَدَاةَ الْقَسَمِ مَفْقُودَةٌ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ عَهْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُنْذَرُ حَتَّى يَلْتَزِمَ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَالْإِخْبَارُ عَنْ لُزُومِهِ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلُّزُومِ إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ وَأَمَّا حَرْفُ الْقَسَمِ فَحَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْقَسَمِ بِقَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ وَإِشْكَالُ الْإِضَافَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ وَامْتَازَ هَذَا بِصَرَاحَةِ الْقَسَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ) قُلْت فِيمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدُ اللَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَجْرَى عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأْكِيدِ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى أُعَاهِدُ اللَّهَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَقَعُ التَّرَدُّدُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ فَذَلِكَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ (وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا إلَى مُنْتَهَى مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّاجِحَةِ وَالْخَالِصَةِ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ الْقِسْمُ الثَّانِي تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَلَا عُمُومِهِمَا كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِهِمَا مَثَلًا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا بِخُصُوصِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ وَلَا بِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَنَاوَلَاتِ وَالتَّخْيِيرُ فِي هَذَا صُرِفَ حَقِيقَةً بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ فَمَجَازٌ كَمَا عَلِمْت
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِمَا لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَهَذَا نَوْعَانِ
(الْأَوَّلُ) تَخْيِيرُ الْمُكَلَّفِينَ فِي خُصُوصِ أَنْوَاعِ الْمُطْلَقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْحَانِثِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَيِّ خَصْلَةٍ شَاءَ إلَى الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى بِشَهْوَتِهِ مِمَّا يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ أَوْ مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ كَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا وَأَنَّهَا أَحَدُ الْخِصَالِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهَا وَأَنَّهَا خُصُوصُ الْعِتْقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَيَّرَ الْحَانِثَ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا لُطْفًا بِهِ وَلِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَوْ شَاءَ لَحَتَّمَ عَلَيْهِ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ كَمَا حَتَّمَ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ فِي خِصَالِ الظِّهَارِ الْمُرَتَّبَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُحَتِّمْ عَلَيْهِ هُنَا إلَّا وَاحِدًا مُبْهَمًا مِنْ الْخِصَالِ وَخَيَّرَهُ فِي خُصُوصِهَا وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ دِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ شَاةً أَوْ دِينَارًا مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي مِيَاهِ الدُّنْيَا لِلْوُضُوءِ وَفِي ثِيَابِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ مِقْدَارًا مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا وَلَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ مَاءٌ دُونَ مَاءٍ وَأَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا مِنْ الثِّيَابِ الْمُجْتَمِعَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ بِخُصُوصِهِ دُونَ ثَوْبٍ وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الدُّنْيَا يُصَلِّي فِيهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَصُومُ فِيهَا رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بُقْعَةً مِنْهَا إذَا اسْتَوَتْ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أُمُورٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا مِنْ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي أَنْوَاعِ الْمُطْلَقِ الْوَاجِبِ إذَا اسْتَوَتْ وَلَهُ مِثْلٌ مِنْهَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعِ