كَانَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى النَّفْسِيِّ مِنْهَا لِاشْتِهَارِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ عُرْفًا وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْقُرْآنِ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ مَخْلُوقَةٌ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ اللَّفْظُ إلَيْهَا وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً فَلَا يَجِبُ بِالْحَلِفِ بِالْقُرْآنِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكُتُبِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَهُ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَبُولِ الْقَائِلِ: الْقُرْآنَ وَهُوَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَكَتَبَ الْقُرْآنَ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالرُّقُومَ الْمَكْتُوبَةَ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُسَافَرَةَ مُتَعَذِّرَةٌ بِالْقَدِيمِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا لَفْظُ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُمَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُسَمَّى بِهِمَا غَيْرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظُ تَبَارَكَ فَتَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَلَا تَقُولُ تَبَارَكَ زَيْدٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَبَارَكَ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَقْبَلُ الْحُكْمُ فِيهَا التَّغَيُّرَ إذَا تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَإِذَا جَاءَ عُرْفٌ بِكَوْنِ أَهْلِهِ لَا يُرِيدُونَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ إلَّا الْكَلَامَ الْقَدِيمَ تَعَيَّنَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِهِ وَجُوِّزَ الْحَلِفُ بِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَتْبَعُ الْعَوَائِدَ وَتَتَغَيَّرُ عِنْدَ تُغَيِّرُهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَوَحُّدُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يَجِبُ
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ انْقَسَمَتْ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَطْلَبِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ كَلَفْظِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ وَقِسْمٌ عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ حَادِثٌ كَلَفْظِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا يُقْصَدَانِ بِهَذَا الْفَرْقِ لِوُضُوحِهِمَا وَقِسْمٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الطَّلَبَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ حَلَفَ بِهَا جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِهَا إذَا حَنِثَ لِأَنَّ أَمَانَتَهُ تَعَالَى تَكْلِيفُهُ وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ قَدِيمٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72]
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا يُقْصَدَانِ بِهَذَا الْفَرْقِ لِوُضُوحِهِمْ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَقِسْمٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الطَّلَبَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ صَحِيحٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاتَ خَبَرٌ اُسْتُعْمِلَ فِي إنْشَاءٍ فَيَكُونُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ وَقَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ يُفِيدُ إنَّ فِي قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ اسْتِعَارَةٌ فِي الْفِعْلِ غَيْرُ مَا عُرِفَ فِيهَا بِتَشْبِيهِ الْحَدَثِ الْمَفْرُوضِ فِي الْمَاضِي بِالْحَدَثِ الْمُحَقَّقِ فِيهِ فَاتَّحَدَا حَدَثًا وَزَمَانًا وَنِسْبَةً وَاخْتَلَفَا تَحَقُّقًا وَتَقْدِيرًا فَاسْتُعِيرَ الْحَدَثُ الْمُحَقَّقُ لِلْحَدَثِ الْمَفْرُوضِ وَاشْتُقَّ مِنْهُ مَاتَ بِمَعْنَى فُرِضَ مَوْتُهُ
، أَوْ فَسَرَى التَّشْبِيهُ لِمَا فِي ضِمْنَيْ الْفِعْلَيْنِ وَاسْتُعِيرَ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَى الْحَدَثِ الْمُحَقَّقِ لِلْمَفْرُوضِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يُرَتَّبُ عَلَى الْآخَرِ فَيَعْزِلَ الْكَاتِبَ الْمَفْرُوضَ مَوْتُهُ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَهَذَا مِنْ قَضَايَا عُمَرَ الْعَجِيبَةِ كَمَا فِي بَيَانِهِ الصَّبَّانِ وَالْأُنْبَابِيِّ عَلَيْهَا قَالَ الْأُنْبَابِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا الْفَرْضِيَّةِ مَجَازِيٌّ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الْأُمُورُ الْخَارِجِيَّةُ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَهَا الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا إنْ قُلْنَا إنَّ مُرَادَهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ مَاتَ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ مُلَاحَظَةُ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ الْمُحَقَّقِ لِيُرَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ مَا يُرَتَّبَ عَلَى الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لِتَحَقُّقِ الْمَاهِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ فِيهِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا نَظِيرُ مَا قَالَهُ حَفِيدُ السَّعْدِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ فِي أَحَدِ مَعَانِيهِ وَإِنْ كَانَ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ لِوَضْعِهِ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي الْأَفْرَادِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ فِي الْخَارِجِ وَفِي الْأَفْرَادِ الْفَرْضِيَّةِ اهـ بِتَصَرُّفٍ.
قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْأَلْفَاظِ الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازًا بِالِاسْتِعَارَةِ نَظِيرُ مَا لِحَفِيدِ السَّعْدِ فِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ فِي أَفْرَادِهِ حَقِيقَةً مُطْلَقًا أَمَّا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّهُ مَذْهَبُ الْأُصُولِيِّينَ الَّذِي لَا يَعْرِفُونَ خِلَافَهُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ فِي أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا مَجَازٌ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا أَفْرَادٌ حَقِيقَةً فَلَا يَظْهَرُ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَبِرُّ الْكُفَّارِ