حَقِيقَةٍ تَقُومُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعَانِي.
فَكَذَلِكَ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلْمًا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَحَالَةٌ لَهُ لَيْسَتْ صِفَةً مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ قَائِمَةً بِالْعِلْمِ فَالْقِيَاسُ وَقَعَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْحُكْمُ النَّفْسِيُّ لَا بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ وَإِذَا كَانَ الْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ حُكْمٌ نَفْسِيٌّ وَحَالَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ فَالسَّلْبُ الَّذِي فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَ الذَّاتِ وَجَمِيعِ الذَّوَاتِ.
وَكُلُّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ جَمِيعِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ فَإِنَّهُ لَا صِفَةَ وُجُودِيَّةً مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الشَّرِكَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ كَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ أَمَّا فِي صِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ فَلَا فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قِيَاسِ الشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ وَبَيْنَ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ وَبُسِطَ هَذَا فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ وَقَدْ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَأَوْرَدْت هَذَا السُّؤَالَ وَأَجَبْت عَنْهُ هُنَالِكَ مَبْسُوطًا فَهَذَا الْقِسْمُ وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ التَّوْحِيدُ فِيهِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ إجْمَاعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ وَمُرِيدٌ وَحَيٌّ وَمَوْجُودٌ وَمُخْبِرٌ وَسَمِيعٌ وَبَصِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فِي اللَّفْظِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ أَمْ لَا فَهَذَا هُوَ التَّعْظِيمُ بِالْقَسَمِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّعْظِيمِ الَّذِي وَجَبَ التَّوْحِيدُ فِيهِ أَوْ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْظِيمِ الَّذِي وَجَبَ التَّوْحِيدُ فِيهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي سِيقَ الْفَرْقُ لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ مُبَاحٌ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَبِصِفَاتِهِ الْعُلَا وَمُحَرَّمٌ كَالْحَلِفِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَأَقَلُّهُ التَّحْرِيمُ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْحَلِفُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ.
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَمِنْ الْمَكْرُوهِ الْحَلِفُ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِالْكَعْبَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهَا مِنْ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ إذَا حَنِثَ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَرَاهَةُ فِي لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَإِنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ فِي الْجَوَاهِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ دُونَ ذَلِكَ إهْمَالٌ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَوْ غِيبَةٍ فِي عِرْضِ أَحَدِهِمْ أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نَبَرَّهُمْ بِكُلِّ أَمْرٍ لَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ وَثَانِيهِمَا مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَذَلِكَ كَالرِّفْقِ بِضَعِيفِهِمْ وَسَدِّ خُلَّةِ فَقِيرِهِمْ وَإِطْعَامِ جَائِعِهِمْ وَإِكْسَاءِ عَارِيهِمْ وَلِينِ الْقَوْلِ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ اللُّطْفِ لَهُمْ وَالرَّحْمَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخَوْفِ وَالذِّلَّةِ وَاحْتِمَالِ أَذِيَّتِهِمْ فِي الْجِوَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ لُطْفًا مِنَّا بِهِمْ لَا خَوْفًا وَتَعْظِيمًا وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَأَنْ يُجْعَلُوا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَنَصِيحَتِهِمْ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَحِفْظِ غَيْبَتِهِمْ إذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِأَذِيَّتِهِمْ وَصَوْنِ أَمْوَالِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَأَنْ يُعَانُوا عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَإِيصَالِهِمْ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَكُلِّ خَيْرٍ يَحْسُنُ مِنْ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمِنْ الْعَدُوِّ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ عَدُوِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لَهُمْ وَتَحْقِيرِ أَنْفُسِنَا بِذَلِكَ الصَّنِيعِ لَهُمْ بَلْ امْتِثَالًا مِنَّا لِأَمْرِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَأَمْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَوْنِنَا نَسْتَحْضِرُ فِي قُلُوبِنَا مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِنَا وَتَكْذِيبِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْنَا لَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَتَنَا وَاسْتَوْلَوْا عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ الْعُصَاةِ لِرَبِّنَا وَمَالِكِنَا عَزَّ وَجَلَّ لِيَمْنَعَنَا ذَلِكَ الِاسْتِحْضَارُ مِنْ الْوُدِّ الْبَاطِنِ لَهُمْ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا خَاصَّةً لَا لَأَنْ نُظْهِرَ آثَارَ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي نَسْتَحْضِرُهَا فِي قُلُوبِنَا مِنْ صِفَاتِهِمْ الذَّمِيمَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَهْدِ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَحْمَلُ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْحَدِيثَيْنِ.
أَمَّا بِرُّنَا لَهُمْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَإِخْلَاءِ الْمَجَالِسِ لَهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِمْ عَلَيْنَا وَالْقِيَامِ لَهُمْ حِينَئِذٍ وَنِدَائِهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ شَأْنِ الْمُنَادَى بِهَا وَكَإِخْلَائِنَا لَهُمْ أَوْسَعَ الطُّرُقِ إذَا تَلَاقَيْنَا مَعَهُمْ وَرَحْبَهَا وَالسَّهْلَ مِنْهَا وَتَرْكِنَا أَنْفُسَنَا فِي خَسِيسِهَا وَحَزَنِهَا وَضَيِّقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ