يَحْصُلَ لِلْعَقْدِ نَاقِضٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ النَّوَاقِضِ وَأَنَّهُ لَيْسَ رُخْصَةً عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ بَلْ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّأْمِينُ فَيَصِحُّ مِنْ آحَادِ النَّاسِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ كَالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ.
وَأَمَّا الْجَيْشُ الْكَثِيرُ فَالْعَقْدُ فِي تَأْمِينِهِ لِلْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْمُصَالَحَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَعْقِدُهُ إلَّا الْإِمَامُ وَيَكُونُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ مَالٍ يُعْطُونَهُ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمَالِ وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْقِتَالِ وَطَلَبُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ قِتَالِهِمْ أَوْ إلْجَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ وَشُرُوطُ الْجِزْيَةِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ فِي الشَّرْعِ وَشُرُوطُ الْمُصَالَحَةِ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرُوطِ فَسَادُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ التَّأْمِينُ لَيْسَ لَهُ شُرُوطٌ بَلْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَاللَّازِمُ فِيهِ مُطْلَقُ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُقُوقًا مُتَأَكِّدَةً مِنْ الصَّوْنِ لَهُمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُصَالَحَةُ لَا تُوجِبُ مِثْلَ تِلْكَ الْحُقُوقِ بَلْ يَكُونُونَ أَجَانِبَ مِنَّا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا بِرُّهُمْ وَلَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي ذِمَّتِنَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَقَطْ وَنَقُومُ بِمَا الْتَزَمْنَا لَهُمْ فِي الْعَقْدِ وَمِنْ الشُّرُوطِ وَاتَّفَقْنَا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُوَاسِيَ فَقِيرَهُمْ وَنَنْصُرَ مَظْلُومَهُمْ بَلْ نَتْرُكُهُمْ يَنْفَصِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ يَجِبُ عَلَيْنَا فِيهِ دَفْعُ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ مَبْسُوطًا هُنَالِكَ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ)
اعْلَمْ أَنَّ تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَغَيْرُ وَاجِبٍ إجْمَاعًا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ أَمْ لَا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ بِالْإِجْمَاعِ فَذَلِكَ كَالصَّلَوَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالصَّوْمِ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالنَّذْرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ وَالْأَمَانَةُ وَالْإِحْيَاءُ وَالْبَعْثُ وَالنَّشْرُ وَالسَّعَادَةُ وَالشَّقَاءُ وَالْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى بِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَقْدِ إسْلَامِهِ كَذَلِكَ أَلْزَمَ الذِّمِّيَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي عَقْدِ أَمَانِهِ وَكَمَا أَنَّ رَفْضَ التَّكَالِيفِ فِي الْإِسْلَامِ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ وَيُبِيحُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّاتِ وَإِلَى مَا لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ ضَرْبَانِ كَبَائِرُ تُوجِبُ التَّغْلِيظَ بِالْعُقُوبَةِ وَرَدَّ الشَّهَادَاتِ وَسَلْبَ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ وَصَغَائِرُ تُوجِبُ التَّأْدِيبَ دُونَ التَّغْلِيظِ فَكَذَلِكَ رَفْضُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الذِّمَّةِ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُنَافِي مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ كَالْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ عَنْ أَحْكَامِ السُّلْطَانِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُوَ ضَرْبَانِ مَا هُوَ عَظِيمُ الْمَفْسَدَةِ كَالْكَبِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا هُوَ خَفِيفُ الْمَفْسَدَةِ كَالصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِظْهَارِ التَّرَفُّعِ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ ضَرْبَيْ مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِعَقْدِ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يُبْطِلَانِ عِصْمَةَ دَمِ وَمَالِ الْمُسْلِمِ الْمُرْتَكِبِ لِأَحَدِهِمَا كَذَلِكَ ضَرْبَا مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمْنِ وَالْأَمَانِ الْمَقْصُودَيْنِ مِنْ عَقْدِ الْجِزْيَةِ مِمَّا يُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يُبْطِلَانِ عِصْمَةَ دَمِ وَمَالِ الذِّمِّيِّ النَّاقِضِ لِأَحَدِهِمَا
(الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ فِي أَبْوَابِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّنَا لَا نُبْطِلُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ إلَّا بِمَا يُنَافِي مَقْصُودَ ذَلِكَ الْعَقْدِ دُونَ مَا لَا يُنَافِي مَقْصُودَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ مُقَارَنَتِهِ مَعَهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِمُنَافَاةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ كَالْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بِمُفْرَدِهِمْ أَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ خَرَجُوا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَالْإِمَامُ عَادِلٌ فَهُمْ فَيْءٌ كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمَّا عَصَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ وَامْتِنَاعُهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ الظُّلْمَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ رُدُّوا إلَى ذِمَّتِهِمْ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ ظُلْمٍ فَهُوَ نَقْضٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَاهَدُوا عَلَى أَنْ يَظْلِمُوا مَنْ ظَلَمَهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ ذِمِّيًّا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ مُسْلِمَةٌ فَوَقَعَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي