الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ لَوْ عَجَزْنَا عَنْ إزَالَةِ مُنْكِرٍ مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ إلَّا بِدَفْعِ دَرَاهِمَ دَفَعْنَاهَا لِمَنْ يَأْكُلُهَا حَرَامًا حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ الْعَظِيمَ كَمَا يُدْفَعُ الْمَالُ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى، وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَكْلُ ذَلِكَ الْمَالِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْمُحَرَّمِ لِتَخْلِيصِ الْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ وَلِذَلِكَ يُعْطَى الْمُحَارِبُ الْمَالَ الْيَسِيرَ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِيُسَلِّمَ صَاحِبَهُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَعَهُ فَيَمُوتَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَالْمَعْصِيَةِ أَكْثَرَ.

وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ لِغَرَضِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَيْسَ إلَّا فَهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهُ وَلَا تُبِيحُهُ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَفْسَدَةٌ صِرْفَةٌ فَلَمْ تُشْرَعْ وَقَاعِدَةُ الْجِزْيَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الْقَلِيلَةِ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ وَتَوَقُّعُ الْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ فَشُرِعَتْ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ

(الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ نَقْضَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ نَقْضَهَا)

اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ مُوجِبٌ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَحَقِيقَةُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ هُوَ الْتِزَامُنَا لَهُمْ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ نَشْتَرِطُهَا عَلَيْهِمْ مَضَتْ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِهَا وَهِيَ أَيْضًا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ الشُّرُوطُ الْمُشْتَرَطَةُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْطُوا أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فِي انْقِضَاءِ كُلِّ عَامٍ قَمَرِيٍّ صَرْفُ كُلِّ دِينَارٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا بِيعَةً وَلَا دِيرًا وَلَا صَوْمَعَةً وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا يَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ النُّزُولِ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيُوَسِّعُوا أَبْوَابَهَا لِلنَّازِلِينَ وَيُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً وَأَنْ لَا يَأْوُوا جَاسُوسًا وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ الْقُرْآنَ وَلَا يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنْهُمْ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَيُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَقُومُوا لَهُمْ مِنْ الْمَجَالِسِ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ وَلَا فَرْقِ شَعْرِهِمْ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِهِمْ وَلَا يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ وَلَا يَرْكَبُوا عَلَى السُّرُوجِ وَلَا يَتَقَلَّدُوا شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ وَلَا يَحْمِلُوهُ مَعَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُوهُ وَلَا يَنْقُشُوا خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَبِيعُوا الْخَمْرَ مِنْ مُسْلِمٍ وَيَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ وَيَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ وَلَا يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ وَلَا يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ وَلَا يَطْرَحُوا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ نَجَاسَةً وَيُخْفُوا النَّوَاقِيسَ وَأَصْوَاتَهُمْ وَلَا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ شَعَائِرِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْشِدُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُطْلِعُوا عَلَيْهِمْ عَدُوًّا وَلَا يَضْرِبُوا

ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَاعَى شَرْطُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا مَا وَقَفَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَوَكِيلِ الْوَاقِفِ يَصِحُّ وَقْفُهُ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق فَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمِسْنَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَوْلِ الْكَاشِفِ وَحَاصِلُ مَا لِأَئِمَّتِنَا فِي أَوْقَافِ مُسْتَغْرِقِي الذِّمَّةِ مِنْ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ كَالْقَرَافِيِّ فِي الْفُرُوقِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْمَسَاكِينِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْوَقْفَ لَهُمْ وَأَيْدِيهِمْ فِي ذَلِكَ أَيْدِي نِيَابَةٍ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُهُمْ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَفْقِ ضَيَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَوْقَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إنْ كَانَ هُوَ الْوَاقِفُ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَلَا أَنْ يُحَوِّلَهُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لِلُزُومِ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ يَصِحُّ الْحُبْسُ مِنْ الْإِمَامِ لِسَمَاعِ ابْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ صِحَّةَ تَحْبِيسِهِ الْخَيْلَ فِي الْجِهَادِ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِبَلَدِنَا حِينَ إشْهَادِ إمَامِهَا بِتَحْبِيسِ بَعْضِ رِبَاعِهَا عَلَى بِنَاءِ سُوَرِهَا فَأَوْقَفْته عَلَى السَّمَاعِ أَيْ سَمَاعِ ابْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَذْكُورِ فَشَهِدَ فِيهِ مَعَنَا.

اهـ أَيْ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي إشْهَادِ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ بِالتَّحْبِيسِ لِلرُّبَاعِ الْمَذْكُورَةِ مَعَنَا قَالَ كنون وَانْظُرْ كِتَابَ الْحَبْسِ مِنْ تَكْمِيلِ غ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ أَيْ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي كَوْنَ أَوْقَافِهِمْ عَلَى مَا يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِهِمْ الْخَاصَّةِ أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا لَهُمْ وَأَنَّ الْوَقْفَ لَهُمْ أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ وَالْوَقْفَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمْ بَلْ أَيْدِيهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْدِي نِيَابَةٍ فَقَطْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا وَقَفُوهُ مُشْتَرًى مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِهِمْ الَّذِي اكْتَسَبُوهُ فِي زَمَنِ الْإِمَارَةِ إذْ هُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ حُكْمًا لِعِمَارَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015