الْحَقِيقَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَهَا ثَمَرَةٌ وَهِيَ مُثْمِرَةٌ، غَيْرَ أَنَّ إحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ ثَمَرَتُهَا أَعْظَمُ وَجَدْوَاهَا أَكْثَرُ فَتَكُونُ أَفْضَلَ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا الْفِقْهُ وَالْهَنْدَسَةُ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الْهَنْدَسَةَ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحِسَابِ وَالْمِسَاحَاتِ وَالْحِسَابُ يَدْخُلُ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَالْمِسَاحَاتُ تَدْخُلُ فِي الْإِجَارَاتِ وَنَحْوِهَا وَمِنْ نَوَادِرِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْحِسَابُ الْمَسْأَلَةُ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَلَسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَأْكُلُ مَعَهُمَا.
ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ دَفَعَ لَهُمَا الَّذِي أَكَلَ مَعَهُمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: اقْسِمَا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قَدْرِ مَا أَكَلْته لَكُمَا فَقَالَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ: إنَّهُ أَكَلَ نِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِي وَنِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِك فَأَعْطِنِي النِّصْفَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا أُعْطِيك إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ لِي خَمْسَةَ أَرْغِفَةٍ فَآخُذُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَك ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ تَأْخُذُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَحَلَفَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ فَتَرَافَعَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَكَمَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ فَشَكَا مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَرْغِفَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ أَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ إلَّا ثُلُثًا بَقِيَ لَك ثُلُثٌ مِنْ أَرْغِفَتِك أَكَلَهُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ وَأَكَلَ صَاحِبُك مِنْ أَرْغِفَتِهِ ثَلَاثَةً إلَّا ثُلُثًا وَهِيَ خَمْسَةٌ يَبْقَى لَهُ رَغِيفَانِ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْلَاثٍ أَكَلَهَا صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ فَأَكَلَ لَك ثُلُثًا وَلَهُ سَبْعَةَ أَثْلَاثٍ فَيَكُونُ لَك دِرْهَمٌ وَلَهُ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْمُلْزِمُ وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِدَقِيقِ الْحِسَابِ كَمَا تَرَى وَمِنْ مَسَائِلِ الْمِسَاحَةِ الْغَرِيبَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِقْهِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، جَمِيعُ ذَلِكَ عَشَرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَاخْتُلِفَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَقَالَ ضُعَفَاءُ الْفُقَهَاءِ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ يَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِقْهُ وَالْهَنْدَسَةُ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً أَمَّا الْفِقْهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْهَنْدَسَةُ فَلِأَنَّهَا يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحِسَابِ وَالْمِسَاحَاتِ.
وَالْحِسَابُ يَدْخُلُ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَالْمِسَاحَاتُ تَدْخُلُ فِي الْإِجَارَاتِ وَنَحْوِهَا وَمِنْ نَوَادِرِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْمُلْزِمُ وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِدَقِيقِ الْحِسَابِ الْمَسْأَلَةُ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَلَسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَأْكُلُ مَعَهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ دَفَعَ الثَّالِثُ لَهُمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اقْسِمَا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قَدْرِ مَا أَكَلْته لَكُمَا فَقَالَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ إنَّهُ أَكَلَ نِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِي وَنِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِك فَأَعْطِنِي النِّصْفَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا أُعْطِيك إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ لِي خَمْسَةَ أَرْغِفَةٍ فَآخُذُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَك ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ تَأْخُذُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَحَلَفَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ فَتَرَافَعَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَحَكَمَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ فَشَكَا مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَرْغِفَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ أَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَلَاثَةً إلَّا ثُلُثًا فَبَقِيَ مِنْ أَرْغِفَتِك بَعْدَ أَكْلِك ثُلُثُ رَغِيفٍ أَكَلَهُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ وَبَقِيَ بَعْدَ أَكْلِ صَاحِبِ الْخَمْسَةِ رَغِيفَانِ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْلَاثٍ أَكَلَهَا صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ لَك دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي مُقَابَلَةِ الثُّلُثِ الَّذِي أَكَلَهُ لَك وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ فِي مُقَابَلَةِ سَبْعَةٍ إلَّا ثَلَاثٍ الَّتِي أَكَلَهَا لَهُ وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَسَائِلِ الْمِسَاحِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِقْهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْمُلْزِمُ مَسْأَلَةُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا فِي عَشَرَةٍ عَرْضًا فِي عَشَرَةٍ عُمْقًا بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ فَاخْتُلِفَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَقَالَ ضُعَفَاءُ الْفُقَهَاءِ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ لِأَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ يَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ لِأَنَّهُ عَمِلَ الثُّمُنَ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَلْفِ ذِرَاعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَوْ عُمِلَ وَبُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَمُسِحَ كَانَ حَصِيرًا طُولُهُ عَشَرَةٌ وَعَرْضُهُ عَشَرَةٌ وَمِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِمِائَةٍ فَالذِّرَاعُ الْأَوَّلُ تَحَصُّلُ مِسَاحَتِهِ مِائَةٌ وَهِيَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةٍ، وَمِائَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ بِسَبَبِ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْخَمْسَةِ مِسَاحَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي خَمْسَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَنِسْبَةُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ ثُمُنَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الدَّقَائِقِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْهَنْدَسَةِ فَإِنَّ عِلْمَ الْهَنْدَسَةِ يَشْمَلُ الْحِسَابَ وَالْمِسَاحَةَ وَغَيْرَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ قَلِيلَةٌ فَثَمَرَةُ الْفِقْهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَمَرَةِ الْهَنْدَسَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهَا.
وَثَانِيهَا عِلْمُ النَّحْوِ وَعِلْمُ الْمَنْطِقِ كِلَاهُمَا لَهُ ثَمَرَةٌ جَلِيلَةٌ غَيْرَ أَنَّ ثَمَرَةَ النَّحْوِ أَعْظَمُ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامِ الْعَرَبِ فِي نُطْقِ اللِّسَانِ وَكِتَابَةِ الْيَدِ فَإِنَّ اللَّحْنَ كَمَا يَقَعُ فِي اللَّفْظِ يَقَعُ فِي الْكِتَابَةِ وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي مَوَاضِعِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَنْطِقِ إلَّا فِي ضَبْطِ الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَرَاهِينِ وَالْحُدُودِ خَاصَّةً وَأَيْضًا الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَهْتَدِي لِتَقْوِيمِ اللِّسَانِ