مِنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِعِتْقِ غَيْرِ مَمْلُوكِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ أَيْضًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ عَنْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، أَمَّا غَيْرُ أَصَالَةٍ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ فَيَحْصُلُ بِغَيْرِ تَمَلُّكٍ، هَهُنَا هُوَ أَصَالَةٌ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الْمَالِكِ لِلْعِتْقِ عَنْهُ قُبَيْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، نُقَدِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَمُشْتَمِلَةً أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لَهُ فَهِيَ صِيغَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَكَالَتَيْنِ وَكَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَوَكَالَةِ الْعِتْقِ، فَضَرُورَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ يُحْوِجُ إلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِقَاعِدَةِ التَّقْدِيرَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ إلَى قَوْلِهِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ اتِّفَاقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ: (فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي نُقَدِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) .
قُلْت: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ هُنَا بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ فَلَا وَجْهَ لِتَوْكِيلِهِ عَلَى الشِّرَاءِ قَالَ (وَمُشْتَمِلَةً أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لَهُ فَهِيَ صِيغَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَكَالَتَيْنِ وَكَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَوَكَالَةِ الْعِتْقِ) .
قُلْت: وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا وَكَالَتُهُ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ مِلْكٌ قَالَ (فَضَرُورَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ يُحْوِجُ إلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ) .
قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقَادِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَرُبَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَقُولُ: إنَّ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَأَيُّ صِيغَةٍ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ هَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ.
قَالَ (وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِقَاعِدَةِ التَّقْدِيرَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثِيرًا إلَّا إذَا كَانَ لِلْمَاءِ كَبِيرُ ثَمَنٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ بِدِرْهَمٍ فَهَذَا وَإِنْ زَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ وَأَضْعَافِهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ عَلَى مَنْسَكِ خَلِيلٍ فِي شِرَاءِ نَعْلِ الْإِحْرَامِ فَتَنَبَّهْ، وَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إذَا أَفْرَطَتْ الْغَرَامَاتُ فِي الطُّرُقَاتِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ وَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ إذَا أَخَذَ ظَالِمٌ شَيْئًا لَا يُجْحَفُ بِهِ، وَإِذَا أَخَذَ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ آخُذُ هَذَا الْقَدْرَ، وَعُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ عَادَةً كَعَشَّارٍ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا يُجْحِفُ، أَوْ يَنْكُثُ وَلَوْ قَلَّ الْمَجْمُوعُ وَمِثْلُ النُّكُوثِ تَعَدُّدُ الظَّالِمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ اهـ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ وَكَذَا يَسْقُطُ إنْ شَكَّ أَنَّهُ يَنْكُثُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ أَفَادَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُقَدَّمُ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَنَحْوِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ فِيهَا، أَوْ خَشِيَ فَوَاتَ وَقْتِهَا وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ مَالِ الْغَيْرِ إذَا خُشِيَ فَوَاتُهُ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِدَلِيلِ تَرْكِ الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ إذَا عَارَضَهَا ضَرَرُ الْعَبْدِ لَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَقُّ اللَّهِ يُقَدَّمُ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بِالْمُحَالَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
(النَّوْعُ الثَّانِي) الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّعْجِيلِ يَقْتَضِي الْأَرْجَحِيَّةَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ تَأْخِيرُهُ، مَثَلًا حَقُّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَحَقُّ السَّيِّدِ وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَحَقُّ الزَّوْجِ فَوْرِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ، وَالدَّيْنُ الْحَالُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوْرِيٌّ يَمْنَعُ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ.
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) فَرْضُ الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ مَا طُلِبَ مِنْ الْبَعْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَعْتَمِدُ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَفَرْضَ الْأَعْيَانِ يَعْتَمِدُ تَكَرُّرَ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ أَقْوَى فِي اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الَّذِي لَا تُوجَدُ الْمَصْلَحَةُ مَعَهُ إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكْثِرُ الْحَجَّ وَلَا يَحْضُرُ الْغَزْوَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَتَى مُرَاهَقًا وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَلَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِلْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ فَخَافَ بِاشْتِغَالِهِ بِأَحَدِهِمَا فَوَاتَ الْآخَرِ هَلْ يُصَلِّي مُطْلَقًا، أَوْ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا صَلَّى، وَإِلَّا أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، أَوْ يُصَلِّي وَهُوَ مَاشٍ، أَوْ رَاكِبٌ كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ فَيُدْرِكَهُمَا مَعًا؟
أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ رَجَّحَ الْأَوَّلَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ وَجَعَلَهُ الْأَصْلُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَمَا عَدَاهُ أَقْوَالًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ وَهِيَ فَوْرِيَّةٌ إجْمَاعًا اهـ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَرَجَّحَ الرَّابِعَ اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ كَجَمْعٍ مِنْ غَيْرِهِمْ بِتَقْدِيمِ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّلَاةِ حَيْثُ.