وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعَارَةَ وَالْمَجَازَ وَالتَّشْبِيهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ لَا حَجْرَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَبْقَى الْبَقَرَةُ فِي مَرْعَاهَا كَذَلِكَ فَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ إذَا فُقِدَتْ فِيهَا النِّيَّةُ كَانَ اللَّفْظُ مُنْصَرِفًا بِالْوَضْعِ لِلْحَقِيقَةِ فَيَصِيرُ كَذِبًا.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُوجِبَةً لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي رُتَبٍ أَحَدُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ.
وَثَانِيهَا أَنْ يَنْقُلَهَا لِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ زَوَالُ الْعِصْمَةِ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ خَاصٌّ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِهَا لِلْإِنْشَاءِ أَنْ تُفِيدَ زَوَالَ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِنْشَاءِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَقَدْ يَصْدُقُ بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَدُلُّ بِنَقْلِهَا إلَى أَصْلِ الْإِنْشَاءِ عَلَى زَوَالِ الْعِصْمَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا إلَى خُصُوصِهِ فَتُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ، وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ إلَى الرُّتْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْعَدَدِ، وَهِيَ الثَّلَاثُ فَإِنَّ زَوَالَ الْعِصْمَةِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِهَا بِالْعَدَدِ الثَّالِثِ فَهَذِهِ رُتَبٌ ثَلَاثٌ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْعُرْفِ اللَّفْظَ إلَيْهَا حَتَّى يُفِيدَ اللَّفْظُ الثَّلَاثَ فَهَذِهِ الرُّتَبُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْبَيْنُونَةَ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ أَصْلَ الطَّلَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَعْدُ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان، وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى عُرْفِهِ أَوْ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عُرْفِيَّةً بِعُرْفٍ حَادِثٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ بِهَا بِانْتِقَالِ الْعُرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعَارَةِ وَالْمَجَازَ وَالتَّشْبِيهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ لَا حَجْرَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَبْقَى الْبَقَرَةُ فِي مَرْعَاهَا كَذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) قُلْت قَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لَمْ تَصِرْ عُرْفًا قَالَ فَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُوجِبَةً لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي رُتَبِ أَحَدِهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ، وَثَانِيهَا أَنْ يَنْقُلَهَا لِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ إنْشَاءُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ خَاصٌّ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِهَا لِلْإِنْشَاءِ أَنْ تُفِيدَ زَوَالَ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِنْشَاءِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَقَدْ يَصْدُقُ بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَدُلُّ بِنَقْلِهَا إلَى أَصْلِ الْإِنْشَاءِ عَلَى زَوَالِ الْعِصْمَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا إلَى خُصُوصِهِ فَتُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ. قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَتَأَتَّى أَنْ تَدُلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ دُونَ خُصُوصِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَدُلَّ عَلَى إنْشَاءٍ خَاصٍّ فَالنَّقْلُ إذًا لَيْسَ لَهُ رُتَبٌ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ لِغَيْرِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ لِزَوَالِهَا.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ إلَى الرُّتْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْعَدَدِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَصْلِ الطَّلَاقِ) .
قُلْتُ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلِ الطَّلَاقِ فَتَكُونُ إفَادَتُهَا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ لَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.
وَثَانِيهَا أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ لَا يَكْفِي فِي النَّقْلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ يُفْهَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، وَيَكُونُ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَقَدْ يَتَكَرَّرُ اللَّفْظُ فِي مَجَازِهِ وَلَا يَكُونُ مَنْقُولًا وَلَا مَجَازًا رَاجِحًا أَلْبَتَّةَ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالْبَحْرِ فِي الْعَالِمِ أَوْ السَّخِيِّ وَالضُّحَى أَوْ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ الْغَزَالِ فِي جَمِيلِ الصُّورَةِ.
وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ تَكْرَارًا كَثِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ التَّكْرَارِ الَّذِي لَا يُحْصَى عَدَدُهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ مَنْقُولَةً بَلْ لَا تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا أُرِيدَ بِهَا هَذِهِ الْمَجَازَاتُ وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَجَازٍ مِنْهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ، فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَهُوَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ إرَادَةِ تَطْلِيقِهَا حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا أَنْتِ بَرِيئَةٌ وَلَا وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ بَلْ هَذَا لَمْ نَسْمَعْهُ قَطُّ مِنْ الْمُطَلِّقِينَ، وَلَوْ سَمِعْنَاهُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِنَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَنْقُولَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، فَالْمُسْتَعْمِلُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَلَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ بَلْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَى مُقْتَضَاهَا الشَّرْعِيِّ فَاللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ فَالْأَصْلِيِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَفِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ عُرْفًا لِلْمُسْتَعْمِلِ، وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ الْعُرْفِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ أَفْتَى الْفَقِيهُ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ وَأَلْغَى الْعُرْفَ الْوَقْتِيَّ فَهُوَ مُخْطِئٌ، وَإِنْ أَفْتَى بِالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ فَهُوَ مُصِيبٌ.
وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَفْتِيهِ عَنْ لَفْظَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَكَانَ عُرْفُ بَلَدِ الْمُفْتِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يُفْتِيهِ بِحُكْمِ بَلَدِهِ بَلْ يَسْأَلُهُ هَلْ هُوَ مِنْ بَلَدِ أَهْلِ الْمُفْتِي فَيُفْتِيهِ حِينَئِذٍ