وَنُوَضِّحُهُ بِذِكْرِ نَظَائِرَ مِنْ الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَلَهُ بَيْعُ بَقِيَّةِ الصِّيعَانِ وَبَقِيَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ صَاعٌ وَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُنْقَلْ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّاعِ فَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ وَأَتَتْ الْجَائِحَةُ عَلَى ذَلِكَ الصَّاعِ فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِي غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْآفَةَ فِيهِ كَالْآفَةِ فِي الْجَمِيعِ كَذَلِكَ أَجْزَاءُ الْوَقْتِ كَالصِّيعَانِ يَجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِذَا تَصَرَّفَتْ الْمَرْأَةُ فِي ضَيَاعِ مَا عَدَا الْآخِرَ مِنْهَا بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ طَرَأَ الْعُذْرُ فِي آخِرِهَا قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ وُجُودِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِهَا وَلَوْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِهَا سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَرَّ التَّخْيِيرُ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ وَبِالتَّخْيِيرِ حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ سَبَبِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَوَّلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَأَتْلَفَهُ الْمُكَلَّفُ بِالضَّيَاعِ لَا يَضْمَنُ الصَّلَاةَ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فَإِذَا وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَعَدَمُهُ وَلَوْلَا التَّخْيِيرُ لَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي الصِّيعَانِ أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ اقْتَضَى مُطْلَقَ الصَّاعِ وَقَدْ وُجِدَ فِي صَاعٍ مِنْ الصِّيعَانِ الَّتِي تَعَدَّيْت عَلَيْهَا أَيُّهَا الْبَائِعُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْمَبِيعِ ضَمِنَهُ فَيَلْزَمُك أَيُّهَا الْبَائِعُ الضَّمَانُ وَلَمَّا كَانَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تُسَلِّطِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ فِي تَوْفِيَتِهِ يَنْفِي عَنِّي الْعُدْوَانَ فِيمَا تَعَدَّيْت فِيهِ فَلَا أَضْمَنُ كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِي عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ يَنْفِي عَنِّي وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَإِنِّي جُعِلَ لِي أَنْ أُؤَخِّرَ وَأُعَيِّنَ الْمُشْتَرَكَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَلَمَّا عَيَّنْتُهُ تَلِفَ بِالْحَيْضِ كَمَا تَلِفَ الصَّاعُ بِالْآفَةِ وَمَا سِرُّ ذَلِكَ إلَّا التَّخْيِيرُ، وَثَانِيهَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُ رِقَابٌ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَقَبَةٌ مَاتَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْعِتْقِ وَجَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ وَلَا نَقُولُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ لَا بُدَّ مِنْهَا بَلْ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالرَّقَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ مَعَ الْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْآفَةِ فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ ابْتِدَاءً.
وَثَالِثُهَا لَوْ كَانَ لَهُ عِدَّةُ ثِيَابٍ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ مِنْهَا فَإِذَا وَهَبَ أَوْ بَاعَ وَخَلَّى وَاحِدًا مِنْهَا فَطَرَأَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّذَيْنِ هُمَا رَدُّ تَصَرُّفَاتِهِ حَالَ الْحَيَاةِ وَتَنْفِيذُ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَتَرَتَّبَا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ الْجَهَالَةُ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْجِعَالَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْقِرَاضِ
فَمَصْلَحَةُ
هَذِهِ الْعُقُودِ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا وَأَنْ لَا يَجُوزَ تَحْدِيدُهُ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ قَدْ لَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَحْدِيدُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْإِجَارَاتِ الَّتِي مِنْ قَبِيلِ الْجَعَالَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ فَتَفُوتُ
الْمَصْلَحَةُ
فَقَدْ اقْتَضَتْ الْجَهَالَةُ الضِّدَّيْنِ كَالْجَهَالَةِ.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: الْأُنُوثَةُ اقْتَضَى ضَعْفُهَا التَّأَخُّرَ عَنْ الْوِلَايَاتِ وَاقْتَضَى ضَعْفُهَا وِلَايَةَ الْحَضَانَةِ وَالتَّقْدِمَةِ فِيهَا عَلَى الذُّكُورِ فَقَدْ اقْتَضَتْ الضِّدَّيْنِ كَالْجَهَالَةِ
الْمِثَالُ الْخَامِسُ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَضَى تَعْظِيمُهَا بَذْلَ الْمَالِ لِلْأَقَارِبِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى سَدِّ الْخَلَّاتِ فِي حَقِّهِمْ وَاقْتَضَى مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُمْ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ وَهُمَا ضِدَّانِ وَإِنَّمَا قَلَّتْ هَذِهِ النَّظَائِرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُنَاسِبِ أَنْ يُنَافِيَ ضِدَّ مَا يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَمَا فِي مُوَافَقَاتِ الشَّاطِبِيِّ لَهَا فِي الشَّرْعِ إطْلَاقَاتٌ أَرْبَعَةٌ الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ شَاقٍّ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ فَقَيْدُ لِعُذْرٍ شَاقٍّ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ مِنْ أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّاتِ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ كَشَرْعِيَّةِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لِعُذْرٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ عَجْزُ صَاحِبِ الْمَالِ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَيَجُوزُ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَا عَجْزَ وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالسَّلَمُ وَنَحْوُهَا مِمَّا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ
لِعُذْرِ مُجَرَّدِ الْحَاجَةِ
وَإِنْ جَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الِاقْتِرَاضِ وَأَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ.
وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ وَهَكَذَا فَلَا يُسَمَّى هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِاسْمِ الرُّخْصَةِ وَمُخْرِجٌ أَيْضًا لِمَا كَانَ مِنْ أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ التَّكْمِيلِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ كَشَرْعِيَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ جُلُوسًا لِعُذْرِ مُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُوَافَقَةِ لِإِمَامِهِمْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا أَوْ يَقْدِرُ بِمَشَقَّةٍ حَتَّى شُرِعَ فِي حَقِّهِ الِانْتِقَالُ إلَى الْجُلُوسِ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْجُلُوسُ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ فَفِي الْحَدِيثِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ فَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا رُخْصَةً وَإِنْ كَانَ مُسْتَثْنًى لِعُذْرٍ وَقَيْدُ اسْتِثْنَاءٍ مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْضِي الْمَنْعَ مُدْخِلٌ لِمَا عَرَضَ لَهَا مِنْ الرُّخَصِ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّاتٍ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَصْلِهَا الْكُلِّيِّ الَّذِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهُ لِلْعُذْرِ كَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ