الشَّرْعِيُّ عَنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَالْعُضْوُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ إنَّمَا الْمَمْنُوعُ هُوَ الْمُكَلَّفُ فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْمَنْعِ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ عَنْهُ فَرْعُ الثُّبُوتِ فِيهِ فَمَا لَا مَنْعَ فِيهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ الْمَنْعِ مِنْهُ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَهُوَ يُوَضِّحُ عِنْدَك بُطْلَانَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَأَنَّهَا مَقَالَةٌ بَاطِلَةٌ وَيَتَّضِحُ لَك أَيْضًا أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا رَفَعَ الْجَنَابَةَ هُنَالِكَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ أَيْضًا بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِسَبَبِ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بَاطِلٌ قَطْعًا.
فَإِنْ قُلْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ النَّصُّ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا النَّصُّ «فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَسَّانَ لَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ أَصَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» فَسَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ التَّيَمُّمِ وَلَا نَعْنِي بِعَدَمِ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَّا الْجَنَابَةَ وَنَحْوَهَا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ فَلَوْ كَانَ الْحَدَثُ ارْتَفَعَ لَكَانَتْ الْجَنَابَةُ ارْتَفَعَتْ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمَّا احْتَاجَ لِلْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ الْحَدَثِ وَصِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَقَالَةُ قَالَ بِهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَلِيلُونَ جِدًّا وَالْحَقُّ لَا يَفُوتُ الْجُمْهُورَ غَالِبًا قُلْتُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِطْلَاعِ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَسْئُولِ مِنْ الْفِقْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَبِمَاذَا يُجِيبُ فَيَظْهَرُ فِقْهُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْيَمَنِ «بِمَ تَحْكُمُ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْدَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَصْدَرَ الْخَبَرِ الْجَازِمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ نُكْتَةٌ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ فَمَتَى عَارَضَهَا نَصٌّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ هَذَا هُوَ قَاعِدَةُ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّاتِ مَعَ الْأَلْفَاظِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَنَا مَنْعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا طَرَيَان الْحَدَثِ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُبَاشِرَ حَدَثًا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا حِينَئِذٍ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَصِيرَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا إلَى آخِرِ غَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ فَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عَلِمْت وَإِلَّا نُقِضَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْمَحَلِّيِّ.
(فَإِنْ خَالَفَ) الْحُكْمُ (نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا جَلِيًّا وَلَوْ قِيَاسًا) وَهُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ نُقِضَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّقْضِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَعَزَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ مِمَّا نَقْطَعُ بِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ قِيَاسًا مَظْنُونًا مَعَ كَوْنِهِ جَلِيًّا فَلَا وَجْهَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَنٍّ وَظَنٍّ اهـ.
(أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ) قَلَّدَ غَيْرَهُ فِيهِ أَوْ لَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِاجْتِهَادِهِ وَامْتِنَاعِ تَقْلِيدِهِ فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ (أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ غَيْرِ مُقَلِّدٍ غَيْرَهُ) مِنْ الْأَئِمَّةِ (حَيْثُ يَجُوزُ) لِمُقَلِّدِ إمَامٍ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَلِّدْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا لِاسْتِقْلَالِهِ فِيهِ بِرَأْيِهِ أَوْ قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يُمْتَنَعُ تَقْلِيدُهُ (نُقِضَ) حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِّهِ لِالْتِزَامِهِ تَقْلِيدَهُ كَالدَّلِيلِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ أَمَّا إذَا قَلَّدَ فِي حُكْمِهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ إنَّمَا حَكَمَ بِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ اهـ.
بِزِيَادَةٍ مِنْ حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ قَالَ الْعَطَّارُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ إذَا تَوَلَّى مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ بَلْ عَلَيْهِ إتْبَاعُ مُقَلِّدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ لَمْ يُنْقَضْ اهـ.
وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الدَّامَغَانِيَّ قَاضِيَ بَغْدَادَ الْحَنَفِيَّ فِي أَيَّامِ الْمُعْتَضِدِ وَلَّى ابْنُ سُرَيْجٍ الْقَضَاءَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ اهـ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ وَفِي الظَّاهِرِ الظَّنِّيِّ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَضْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُقَاسُ بِالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ اهـ زَكَرِيَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْكَمَالِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الْفَقِيهُ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ مَوْضُوعٌ لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ وَعَلِمَ جُمَلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَكَذَلِكَ فِي السُّنَنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمْ يُوضَعْ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ هُوَ مَنْ اُسْتُكْمِلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ الِاجْتِهَادُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكَفُّ عَنْ التَّرْخِيصِ وَالتَّسَاهُلِ وَلِلْمُتَسَاهِلِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الْأَدِلَّةِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ وَيَأْخُذَ بِبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِلِ الْفِكْرِ