(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ) اعْلَمْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَهُ أَحْوَالٌ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِمُخْتَصَرٍ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ مَذْهَبِهِ فِيهِ مُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ وَعُمُومَاتٌ مَخْصُوصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمَتَى كَانَ الْكِتَابُ الْمُعَيَّنُ حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ كَذَلِكَ أَوْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ أَجَادَهُ حِفْظًا وَفَهْمًا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا أَنَّهَا مُسْتَوْعَبَةُ التَّقْيِيدِ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى مَعْنًى آخَرَ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا لِمَنْ يَحْتَاجُهَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَتَكُونُ هِيَ عَيْنَ الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا لَا أَنَّهَا تُشْبِهُهَا وَلَا تُخَرَّجُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ هِيَ حَرْفًا بِحَرْفٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَالِكَ فُرُوقٌ تَمْنَعُ مِنْ الْإِلْحَاقِ أَوْ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ يَمْنَعُ مِنْ الْفُتْيَا بِالْمَحْفُوظِ فَيَجِبُ الْوَقْفُ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّسِعَ تَحْصِيلُهُ فِي الْمَذْهَبِ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ مِنْ تَفَاصِيلِ الشُّرُوحَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْنَدَاتِهِ فِي فُرُوعِهِ ضَبْطًا مُتْقَنًا بَلْ سَمِعَهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مِنْ أَفْوَاهِ الطَّلَبَةِ وَالْمَشَايِخِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِجَمِيعِ مَا يَنْقُلُهُ وَيَحْفَظُهُ فِي مَذْهَبِهِ اتِّبَاعًا لِمَشْهُورِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ بِشُرُوطِ الْفُتْيَا وَلَكِنَّهُ إذَا وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَيْسَتْ فِي حِفْظِهِ لَا يُخَرِّجُهَا عَلَى مَحْفُوظَاتِهِ وَلَا يَقُولُ هَذِهِ تُشْبِهُ الْمَسْأَلَةَ الْفُلَانِيَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَحَاطَ بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَأَقْيِسَتِهِ وَعِلَلِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَمَعْرِفَةِ رُتَبِ تِلْكَ الْعِلَلِ وَنِسْبَتِهَا إلَى الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ الْحَاجِيَّةِ أَوْ التَّتْمِيمِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَتْ لَهَا أُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ أَوْ قِيَاسِ الْإِحَالَةِ أَوْ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْيِسَةِ وَرُتَبِ الْعِلَلِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي مَذْهَبِهِ وَالْمُخَرِّجَ عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ نِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ وَإِمَامِهِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي اتِّبَاعِ نُصُوصِهِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى مَقَاصِدِهِ فَكَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْفَارِقَ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى مَقَاصِدِ إمَامِهِ فَرْعًا عَلَى فَرْعٍ نَصَّ عَلَيْهِ إمَامُهُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْفُرُوقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ قَبْلَ إلَّا وَلَا مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْيِ النِّكَاحِ قَبْلَ إلَّا لِأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِيهِمَا الْقَضَاءُ بِالْقَبُولِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ إلَّا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ وَالْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَ إلَّا لِوُجُودِ الْوَلِيِّ وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَزِمَ أَنْ نَقُولَ فِي دَفْعِهِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الشُّرُوطُ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْحَالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلشَّرْطِ أَيْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَفِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُطْلَقِ الزَّمَانِ أَيْ زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا عُمُومِ الْأَزْمَانِ) لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ إنْ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تُلَازِمُ الدُّخُولَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالْمُطَابَقَةِ بِعَكْسِ إذَا فَفِي قَوْلِك إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ تَدُلُّ عَلَى إنْ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى أَنَّ الْإِكْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِيءِ وَبِالِالْتِزَامِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانٍ فَافْهَمْ وَفِي نَحْوِ قَوْلِك إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ تَدُلُّ إذَا بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى الزَّمَانِ وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى الشَّرْطِ أَيْ تَوَقُّفُ الْإِكْرَامِ عَلَى الْمَجِيءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ فَسَبِّحْ وَقَدْ تَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] أَيْ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ فِي حَالَةِ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ فِي حَالَةِ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ يُنَاسِبُ أَعْظَمَ الْأَحْوَالِ فَلَا تَدُلُّ إذَا الظَّرْفِيَّةُ عَلَى الشَّرْطِ الْتِزَامًا إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَهُوَ مَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ بِخِلَافِ إنْ فَلَا تُفَارِقُ الدَّلَالَةَ عَلَى الشَّرْطِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ إنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ بِالْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَإِذَا قَالَ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَطْعًا إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَأَمَّا إذَا فَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُهَا أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ إذْ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَفْظِ الْيَوْمِ مَثَلًا فَيُقَالُ أَكَلْت يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِهِ كَمَا يُقَالُ وُلِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفِيلِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سِتِّينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَهُوَ لَمْ يُولَدْ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَلَمْ يَقَعْ مَوْتُهُ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ