وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ جَوَابٌ هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَتَى خَالَفَ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا أَوْ الْقَوَاعِدَ نَقَضْنَاهُ.
وَإِذَا كُنَّا لَا نُقِرُّ حُكْمًا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي حُكْمٍ هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَمَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كُلُّ مَنْ اعْتَقَدْنَا أَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْجُودَةِ وَبَيَانُهُ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْكَعْبَةِ إذَا اخْتَلَفُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْآخَرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَرَكَ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَعْبَةُ وَتَارِكُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا يُقَلِّدُ أَمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي صَاحِبِهِ أَنَّهُ خَالَفَ ظَاهِرًا مِنْ نَصٍّ أَوْ مَنْطُوقٍ بِهِ أَوْ مَفْهُومِ لَفْظٍ وَذَلِكَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى اعْتِبَارِهِ وَلَا وَصَلَ إلَى حَدِّ الْقَطْعِ بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَجَازَ لَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتَقْلِيدُهُ بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ خَالَفَ الْكَعْبَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا الْمَقْطُوعَ بِاعْتِبَارِهَا وَهَذَا الْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْجَلَاءِ فَأَيْنَ الْمَقْطُوعُ مِنْ الْمَظْنُونِ وَأَيْنَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْأَوَانِي الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا إذَا اخْتَلَفُوا وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ إمَّا بِاجْتِهَادِهِمْ وَصَلُوا إلَى ذَلِكَ أَوْ قَلَّدُوا مَنْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ بِالْإِجْمَاعِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ أَوْ اجْتِهَادُ إمَامِهِمْ الَّذِي قَلَّدُوهُ وَإِذَا كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِمْ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمَعَ أَنَّهُ لَا يَتَدَلَّكُ لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْخَطَأِ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ وَمَسْأَلَةُ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا لَا بُدَّ مِنْ الْخَطَأِ فِيهَا وَيُمْكِنُ تَعْيِينُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ جَوَابٌ هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَتَى خَالَفَ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا أَوْ الْقَوَاعِدَ قَضَاهُ وَإِذَا كُنَّا لَا نُقِرُّ حُكْمًا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا تُقِرَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي حُكْمٍ هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَمَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كُلُّ مَنْ اعْتَقَدْنَا أَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ وَبَيَانُهُ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ فَرْقًا لَيْسَ بِفَرْقٍ لِأَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْته لَا فِيمَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إلَى آخِرِ الْفَرْقِ قُلْت مَا قَالَهُ فِي الْمَسَائِلِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَّرَ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْقَ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لِتَعَيُّنِ الْمَنَاطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا وَعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَسْمَلَةِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ.
(قَاعِدَةٌ) وَهِيَ أَنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا يَقْدَحُ الِاسْتِدْلَال بِهِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا فِي فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي إعْتَاقِ مُطْلَقِ رَقَبَةٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى إيجَابِ الرَّقَبَةِ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمُطْلَقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ مِثْلِهَا قَدْحٌ وَلَا إجْمَالٌ وَصَلَ فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ لَا يُغَسَّلُ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرَتِّبْ الْحُكْمَ عَلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ بَلْ عِلَلُ حُكْمِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فَقَطْ وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّرْتِيبَ عَلَى الْوَصْفِ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَلَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ وَلَقَالَ لَا تَمَسُّوا الْمُحْرِمَ وَلَمْ يَقُلْ لَا تَمَسُّوهُ فَلَمَّا عَدَلَ فِيهِمَا عَنْ الْوَصْفِ إلَى الضَّمِيرِ الْجَامِدِ دَلَّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَبَقِيَتْ الِاحْتِمَالَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْمُحْرِمِينَ مُسْتَوِيَةً وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَحْصُلُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ اسْتِدْلَالٌ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُنْفَرِدَةَ لَا تُجْزِئُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَيْسَ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُنْفَرِدُ وَحْدَهُ حَتَّى يَحْصُلَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ بَلْ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لَا يَتْبَعُهُ غَيْرُهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ ذَنَبٍ أَوْ عَقِبٍ وَحِينَئِذٍ فَالْبَتْرَاءُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً وَالِاحْتِمَالَانِ مُسْتَوِيَانِ وَنَحْنُ نَقُولُ الرَّكْعَتَانِ مُتَقَدِّمَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلْوِتْرِ وَتَوْطِئَةٌ لَهُ فَلَا حُجَّةَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوا فَالِاحْتِمَالَاتُ وَقَعَتْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي نَفْسِ الدَّلِيلَيْنِ وَتَسَاوَتْ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال بِهِمَا وَكَذَا يَسْقُطُ فِي كُلِّ وَاقِعَةِ عَيْنٍ وَقَعَ فِيهَا مِثْلُ هَذَا وَهِيَ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْإِجْمَالِ وَعَدَمِ الدَّلَالَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) اللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ «أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ظَاهِرٌ ظُهُورًا قَوِيًّا فِي الْإِذْنِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الْحَالَيْنِ حَالَ مَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عُقُودًا