(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ) لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا إنْ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ بِالِالْتِزَامِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالْمُطَابَقَةِ وَإِذَا عَلَى الْعَكْسِ فِي ذَلِكَ.
فَإِذَا قُلْت إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَلَفْظُك يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إنْ شَرْطٌ وَالْإِكْرَامُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِيءِ مُطَابَقَةً وَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانِ وَإِذَا قُلْت إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَإِذَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالِالْتِزَامِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّهَا قَدْ يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نَحْوُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ} وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا وَتَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] أَيْ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ فِي حَالَةِ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ فِي حَالِ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ يُنَاسِبُ أَعْظَمَ الْأَحْوَالِ فَإِذَا فِي مِثْلِ هَذَا ظَرْفٌ مَحْضٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ فَصَارَتْ إذَا الظَّرْفِيَّةُ قَدْ يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا وَثَانِيهَا أَنَّ إنْ وَإِذَا وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ لَا عُمُومَ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ إنْ لَا تَوْسِعَةَ فِيهَا وَإِذَا ظَرْفٌ وَالظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ.
وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَظَرْفُ الْمَوْتِ يَحْتَمِلُ دُخُولَ زَمَنٍ مِنْ أَزْمِنَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْحَيَاةِ فَيَلْزَمُهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُلَاحَظَةِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْفُرُوقِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ أَنْ تَقُولَ وُلِدَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامَ الْفِيلِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سِتِّينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَهُوَ لَمْ يُولَدْ فِي جُمْلَةِ عَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ فِي إنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا بِنَفْسِهَا وَعَلَى مَا شَرَطُوهُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ مِنْ أَنَّهَا يَسْبِقُ ذَلِكَ فَهْمُ السَّامِعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا بِمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تُلَازِمُ الدُّخُولَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (وَثَانِيهَا أَنَّ إنْ وَإِذَا وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ لَا عُمُومَ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ إنْ لَا تَوْسِعَةَ فِيهَا وَإِذَا ظَرْفٌ وَالظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى قَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْكَانِهَا الْأَرْبَعَةِ قَالَ: إذْ لَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ.
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نُهِيَ عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ اهـ.
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ النَّهْيِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ.
وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا فَتَكُونُ مَعْدُومَةٌ حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ