خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ.
وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا فَتَكُونُ مَعْدُومَةً حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَتَوَسَّطْنَا بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْ الْوَصْفِ فِي مَسَائِلَ دُونَ مَسَائِلَ وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSخِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيُثْبِتَ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيُثْبِتَ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفَ الْعَارِضَ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَهَى عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ إلَى قَوْلِهِ وَلِنَذْكُرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ) قُلْتُ فِيمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ تَسَلَّطَ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَيْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَدَاءِ الْمَارِّ كَانَ إيقَاعُ الْمُخْتَارِينَ الظُّهْرَ بَعْدَ الْقَامَةِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَالْمَغْرِبَ بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ بَعْدَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ أَدَاءً مَعَهُ الْإِثْمُ لِتَعَدِّيهِمْ مَا حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَإِيقَاعِهِمْ الظُّهْرَ فِي الْقَامَةِ وَالْمَغْرِبَ فِيمَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَدَاءً لَيْسَ مَعَهُ إثْمٌ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِمْ مَا حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ إذْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا لَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَحَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَجَعَلَهُمْ بِتَعَدِّي الْقَامَةِ وَغِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ مُؤَدِّينَ آثِمِينَ وَجَعَلَ لِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ إدْرَاكَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِدْرَاكُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ.
فَظَهَرَ بِهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ وَزَالَ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ عَلَى أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِيمَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ أَوْ عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَتَصْحِيحُ تَحْدِيدِهِ إلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى نِصْفِهَا بَاطِلَةٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ ذَاهِبٌ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ فَلَا يَصِحُّ التَّنْظِيرُ بِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِالْقَامَةِ مَثَلًا ثَابِتٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْدِيدُ الْوَقْتِ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا قَطْعِيٍّ بِوَجْهٍ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ لِمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَوْقَعَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَفَازَ بِأَجْرِهِ.
وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ