الصَّوْمِ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ الْغُرُوبِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ أَمَّا كَوْنُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَسَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ الْغُرُوبُ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَأَنْ سَقَطَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَانْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ لِوُجُودِ مَفْهُومِ الْغُرُوبِ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَلَا عِبْرَةَ بِخُصُوصِ الْأَيَّامِ فَهَذَا جِنْسٌ عَامٌّ كُلِّيٌّ يَجِبُ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَهُوَ مُلَابَسَةٌ ضِدُّ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ.
وَثَانِيهَا: هِلَالُ شَوَّالٍ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ هُوَ كَوْنُهُ هِلَالَ شَوَّالٍ أَمَّا كَوْنُهُ هَذَا الْهِلَالَ أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ سَنَةِ سَبْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ مُطْلَقُ هِلَالِ شَوَّالٍ كَيْفَ كَانَ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ كَانَ.
وَثَالِثُهَا: أَوَاخِرُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ يَجِبُ إيصَالُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إلَى تِلْكَ الْغَايَاتِ، وَكَذَلِكَ الْإِحْدَادُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ كَوْنُهُ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا عَدَاهُ لَغْوٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ اشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَعْنًى كُلِّيٍّ وَاخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَمَا تَقَدَّمَ كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَإِلَيْهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَبِهِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَبْوَابِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلْيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنُجِيبُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَلِكُلِّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ خُصُوصٌ عَامٌّ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَالْأَصْلُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسْمَاءُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا حَتَّى تَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ.
(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا) هَذَا الْفَرْقُ بَالَغَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اعْتِبَارِهِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ الزَّائِدِ فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ وَبَالَغَ قُبَالَتَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (شِهَابُ الدِّينِ الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ حِكَايَةُ مَذْهَبٍ وَتَقْرِيرُهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ كَمَا تَعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا تَعْدَمُ بِعَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ إذَا عَدِمَ بَعْضَ الْأَجْزَاءُ لَمْ تَتَرَكَّبْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ فَلَا يَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِّ الْأَدَاءِ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِيهِ فَافْهَمْ.
وَثَانِيهَا: إيقَاعُ الْوَاجِبِ تَعْيِينُهُ بِالشُّرُوعِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِقَضَاءِ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ لِوُجُوبِهَا بِالشُّرُوعِ عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِلْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهُ حِجَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ.
وَثَالِثُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّعْيِينِ بِالشُّرُوعِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ جَهْرًا تُسَمَّى قَضَاءً اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا صُلِّيَتَا جَهْرًا وَقَدْ صَارَا أَخِيرَيْنِ كَانَا عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَهْرِ عَلَى السِّرِّ، وَقَوْلُهُمْ الْمَأْمُورُ فِيمَا فَاتَهُ هَلْ يَكُونُ قَاضِيًا أَوْ بَانِيًا إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقَضَاءِ أَيْ هَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَوَّلًا لَا فِي أَنَّهُ يُسَمَّى قَضَاءً لَوْ وَقَعَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ.
وَرَابِعُهَا: إيقَاعُ الْفِعْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إنَّ السُّنَنَ تُقْضَى لِتَقَدُّمِ أَسْبَابِهَا لَا لِلشُّرُوعِ فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعَانِي لَفْظِ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَرْبَعَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَوَاحِدٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَرِدُ صِدْقُهُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مَعَانِيهِ عَلَى غَيْرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّنَا لَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْآخَرِ لَا نَقْضًا وَلَا سُؤَالًا أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا حَدَّدْنَا الْعَيْنَ بِمَعْنَى الْحَدَقَةِ بِأَنَّهَا عُضْوٌ يَتَأَتَّى بِهِ الْإِبْصَارُ لَا نَلْتَفِتُ لِلْقَوْلِ بِنَقْضِهِ بِعَيْنِ الْمَاءِ وَبِالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُخْتَلِفَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ حُدُودُهَا مُخْتَلِفَةً فَحِينَئِذٍ اسْتَقَامَ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْقَضَاءِ وَحَدِّ الْأَدَاءِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِتَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَيُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِغَيْرِ تَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ بَلْ تَعْيِينًا تَابِعًا لِتَحَقُّقِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَا يُوصَفُ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ.
وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ دَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَافِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ مَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الِاصْطِلَاحِيِّ