وَأَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ فَلَحِقَهُ وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ هُنَاكَ فَشُرِعَ رَمْيُ الْجِمَارِ لِتَذَكُّرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ وَالطَّوَاعِيَةِ التَّامَّةِ وَالْإِنَابَةِ الْجَمِيلَةِ لِيُقْتَدَى بِهِمَا فِي ذَلِكَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْجِمَارُ لَيْسَتْ سَبَبًا بَلْ أَدَاةً يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فَأَيُّ حَصَاةٍ أَخَذَهَا أَجْزَأَتْ وَسَدَّتْ الْمَسَدَّ وَخُصُوصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دُونَ خُصُوصَاتِهَا، وَرَابِعُهَا: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فِي الضَّحَايَا وَالتَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْهَدْيِ.
وَأَمَّا هَذِهِ الْأَنْعَامُ فَلَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلْوُجُوبِ بَلْ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ بَدَنَةٍ دُونَ أُخْرَى بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فَأَيُّهَا فَعَلَ سَدَّ الْمَسَدَّ وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخُصُوصِ مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّوَابِ وَالْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَخَامِسُهَا: الرِّقَابُ فِي الْعِتْقِ لَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلْحُكْمِ بَلْ السَّبَبُ الظِّهَارُ مَثَلًا أَوْ الْيَمِينُ أَوْ إفْسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَمْدًا أَوْ الْقَتْلُ فَهَذِهِ هِيَ الْأَسْبَابُ، وَأَمَّا الرِّقَابُ فَهِيَ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ كَالْمَاءِ وَالسُّتْرَةِ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ رَقَبَةٍ دُونَ أُخْرَى مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِهِ أَدَاةً لَا وَاجِبٌ بِهِ سَبَبًا.
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْخِطَابِ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِطَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بَلْ هُوَ بِمُطْلَقِ الطَّائِفَةِ الصَّالِحَةِ لَا إيقَاعُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْكُلِّ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ طَائِفَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَأَيُّ طَائِفَةٍ فَعَلَتْ سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَالثَّوْبِ فِي السُّتْرَةِ وَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي الطَّوَائِفِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِهِ وَلَا فِيهِ، فَإِذَا فَعَلَتْ طَائِفَةٌ سَقَطَ عَنْ الْبَقِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا لِتَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا عَنْ الْفِعْلِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ عَيْنًا لِانْحِصَارِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ كَآخِرِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَذُّرِ غَيْرِ الثَّوْبِ الْمَوْجُودِ فِي السُّتْرَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ.
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ عِنْدَهُ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا الشَّرْطُ فَإِنَّ الْحَوْلَ إذَا دَارَ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لَا بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ بَلْ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَلَكِنْ أَثَرُ السَّبَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَدَوَرَانُ الْحَوْلِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يَخْتَصَّ حَوْلٌ مُعَيَّنٌ بِالْوُجُوبِ عِنْدَهُ بَلْ مُطْلَقُ الْحَوْلِ وَهَذِهِ هِيَ الْحَقِيقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
قَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا سَبَقَ..
ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا الْعَبْدُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَمَنْ صَامَ فِيهِ يَوْمًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَوْمَ مِائَةِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَنْ تَصَدَّقَ فِيهِ بِدِرْهَمٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ صَدَقَةً وَمَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ خَتْمَةٍ بِغَيْرِهِ وَمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ مَرَّةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ بِغَيْرِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ اهـ.
2 -
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْبَاجِيَّ: وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْمَسْجِدَيْنِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَكَذَا مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ إذْ أُثِيبَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْوَالِدِ عَلَى كِتَابِهِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ قُلْتُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّه بِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ «خَيْرِ بَلَدٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَكَّةُ» كَمَا فِي مَنَاسِكِ الصَّاوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ لِأَخِيهِ كَانَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَالتَّعَيُّنُ فِي الْقِسْمَيْنِ شَرْعِيٌّ)
اعْلَمْ وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ أَنَّ تَحْرِيرَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَاجِبَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ وَقَضَائِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَقْتًا حُدِّدَ طَرَفَاهُ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَقْتُ أَدَائِهِ وَلَا وَقْتُ قَضَائِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَالصَّوْمِ عَيَّنَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَلِقَضَائِهِ مَا بَعْدَهُ إلَى شَعْبَانَ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَيْضًا بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مِنْ الْفَوْرِيَّاتِ وَقْتًا مُرَتَّبًا عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ كَالْحَجِّ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الشَّارِعُ إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِحَيْثُ لَوْ