وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالنَّقِيضِ عَدَمُ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا جَالِسًا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَنَحْوُهُ وَمِنْ الْأَضْدَادِ وَحَيًّا وَفَقِيهًا وَعَابِدًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَصْفٍ هُوَ خِلَافٌ أَوْ ضِدٌّ فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ.
وَأَمَّا النَّقِيضُ فَلَا سَبِيلَ لِلِاتِّصَافِ بِهِ أَلْبَتَّةَ فَالْحَصْرُ بِاعْتِبَارِهِ لَا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ هَذَا فِي النَّكِرَاتِ وَأَمَّا غَيْرُ النَّكِرَاتِ فَأَذْكُرُ فِيهِ سَبْعَ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ وَتُبَيِّنُ الْفَرْقَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى انْحِصَارِ سَبَبِ تَحْرِيمِهَا فِي التَّكْبِيرِ وَسَبَبِ تَحْلِيلِهَا فِي التَّسْلِيمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حُرُمَاتِهَا إلَى حِلِّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَهَذَا خَبَرٌ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اقْتَضَى الْحَصْرَ فِي التَّكْبِيرِ دُونَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ وَضِدُّهُ الَّذِي هُوَ الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ وَالنَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَخِلَافُهُ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّعْظِيمُ، فَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّكْبِيرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِي التَّسْلِيمِ دُونَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَخِلَافُهُ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ حِلِّ الصَّلَاةِ إلَى حُرُمَاتِهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَقَطْ.
وَنَعْنِي بِالْحُرُمَاتِ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَعْنِي بِحِلِّهَا إبَاحَةَ جَمِيعِ مَا حَرُمَ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالضِّدِّ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَبِالْخِلَافِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ وَنَعْنِي بِالضِّدِّ مَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ وَبِالْخِلَافِ مَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ قُلْت لَيْسَ مُرَادُنَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَى حِلِّهَا بُطْلَانَ الصَّلَاةِ كَيْفَ كَانَ إنَّمَا مُرَادُنَا بِذَلِكَ الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخُرُوجُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ.
قَالَ (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ إلَى قَوْلِهِ فَاذْكُرْ فِيهِ سَبْعَ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ وَتُبَيِّنُ الْفَرْقَ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ إلَى قَوْلِهِ وَخِلَافُهُ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّعْظِيمُ قُلْتُ مَا قَالَهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّكْبِيرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ يَقْتَضِي صَرِيحًا الْمَنْعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَفْهُومًا فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَفْهُومِ فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِي التَّسْلِيمِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى تَحْلِيلِهَا إبَاحَةُ جَمِيعِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ) قُلْتُ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْتُ: فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالضِّدُّ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ إلَى آخَرِ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَجَوَابَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَاسْتِشْكَالُهُ لِمَا اُسْتُشْكِلَ مِنْ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَوْلِ بِوُجُوبِ سَدِّهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَوَسُّلٌ بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْبَيْعِ لِسَلَفِ خَمْسَةٍ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةً الْآنَ وَأَخَذَ عَشَرَةً آخِرَ الشَّهْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى النِّسَاءِ قِيلَ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الزِّنَا وَقِيلَ لَا يُحَرَّمُ وَمِنْهَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ قِيلَ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ، وَقِيلَ لَا يُحَرَّمُ وَمِنْهَا صُنَّاعُ السِّلَعِ قِيلَ يَضْمَنُونَهَا إذَا ادَّعَوْا ضَيَاعَهَا سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَثِّرُونَ فِيهَا بِصَنْعَتِهِمْ فَتَتَغَيَّرُ فَلَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا بِيعَتْ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَمِنْهَا حَمَلَةُ الطَّعَامِ قِيلَ: يَضْمَنُونَهُ إذَا تَلِفَ لِئَلَّا تَمْتَدَّ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَهُ قُلْت وَمِنْهَا آلَاتُ الْمَلَاهِي فَإِنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا إنْ تَرَتَّبَ فُسُوقٌ وَمَشْهُورُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا كَمَا فِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَالصَّاوِيِّ عَلَى أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ وَقَدْ حَكَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الْمِزْمَارِ الْعِرَاقِيِّ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ مِنْ الْأَوْتَارِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً وَالْأَصَحُّ الثَّانِي كَمَا فِي الدُّسُوقِيِّ عَلَى الدَّرْدِيرِ عَلَى خَلِيلٍ وَفِي الْإِحْيَاءِ الْمَنْعُ مِنْ الْأَوْتَارِ كُلِّهَا لِثَلَاثِ عِلَلٍ: كَوْنُهَا تَدْعُو إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ اللَّذَّةَ الْحَاصِلَةَ تَدْعُو إلَيْهَا فَلِهَذَا حُرِّمَ شُرْبُ قَلِيلِهَا، وَكَوْنُهَا فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِشُرْبِهَا تُذَكِّرُهُ مَجَالِسَ الشُّرْبِ وَالذِّكْرُ سَبَبُ انْبِعَاثِ الْفُسُوقِ وَانْبِعَاثُهُ سَبَبُ الْإِقْدَامِ، وَكَوْنُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْأَوْتَارِ صَارَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْفِسْقِ مَعَ التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ قَالَ أَيْ فَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَلَا يَبْعُدُ مَا فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّظَرِ لِمَا يَتَرَتَّبُ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ فَمَنْ حَسُنَ قَصْدُهُ وَتَطَهَّرَ مِنْ حُظُوظِ الشَّهَوَاتِ وَرَذَائِلِ الشُّبُهَاتِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى سَمَاعِهِ بِالْحُرْمَةِ اهـ الْمُرَادُ. وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ دَاعِي دَرْءِ الْمَفَاسِدِ فَلِذَا قَالَ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ وَلَمْ يَجْزِمْ اهـ. بِتَغْيِيرٍ. وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي قُلْنَا بِسَدِّهَا وَلَمْ يَقُلْ بِسَدِّهَا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَوْنُ مَا أَفْضَى إلَى الْوَاجِبِ وَاجِبًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ