الزَّكَاةَ إلَّا الدَّيْنُ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ سَافَرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ جَلَسْت أَمَامَك مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ عَنْ يَمِينِك وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] مَفْهُومُهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ اللَّيْلِ وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مَفْهُومُهُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ مَفْهُومُهُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْغَنَمِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا فَهَذِهِ الْمَفْهُومَاتُ جَمِيعُهَا أَثْبَتْنَا فِيهَا نَقِيضَ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَحَصَلَ فِيهَا مَعْنَى الْمَفْهُومِ فَظَهَرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ قَاعِدَتُهُ وَلَيْسَ قَاعِدَتُهُ إثْبَاتَ الضِّدِّ.
وَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] أَنَّ مَفْهُومَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ بَلْ مَفْهُومُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَعَدَمُ التَّحْرِيمِ صَادِقٌ مَعَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّيْءِ لَا يُسْتَلْزَمُ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ دَأْبُك أَبَدًا فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِلضِّدِّ أَلْبَتَّةَ لِمَا ظَهَرَ لَك مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ)
فَإِنَّ قَاعِدَةَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهَا إلَّا الدَّقَّاقُ وَقَاعِدَةُ مَفْهُومِ غَيْرِ اللَّقَبِ قَالَ بِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ أَصْلُهُ كَمَا قَالَ التَّبْرِيزِيُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي قَوْلِنَا لَقَبٌ.
وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ نَحْوِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقَالُ لَهَا لَقَبٌ فَالْأَصْلُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هِيَ الْأَعْلَامُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، قَالَ: وَيَلْحَقُ بِهَا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَلَمَ نَحْوَ قَوْلِنَا أَكْرِمْ زَيْدًا أَوْ اسْمَ الْجِنْسِ نَحْوَ زَكِّ عَنْ الْغَنَمِ لَا إشْعَارَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ وَنَحْوُهُ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيلِ فَإِنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ أَيْضًا فَمَتَى جُعِلَ الشَّيْءُ شَرْطًا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عِنْدَ الْمُتَعَلَّقِ عَلَيْهِ أَدْرَكْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إذَا حُصِرَ أَوْ جُعِلَ غَايَةً وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُشْعِرُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ فَيَلْزَمُ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ فِيهِ أَمَّا الْأَعْلَامُ وَالْأَجْنَاسُ فَلَا إشْعَارَ لَهَا بِالْعِلِّيَّةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَكُونُ عَدَمُهَا مِنْ صُورَةِ السُّكُوتِ عِلَّةً لِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدَمَ عِلَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ اهـ وَجَرَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْغُسْلِ.
وَأَمَّا خِلَافُهُمْ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَ الْكَمَالِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَهَا وَجْهَانِ فِي النَّظَرِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي قَالَ إنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهَا لَازِمٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا بِنَاقِضٍ طَارِئٍ وَمَنْ نَظَرَ إلَى حُكْمِهَا أَعْنِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مُسْتَصْحَبًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ وَذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ الْأُولَى الْمُقَارِنَةِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِنِيَّةِ الرَّفْضِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالرَّفْضِ الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ وَمَا قَارَنَ الْفِعْلَ مُؤَثِّرٌ فَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ فَلَوْ انْتَفَتْ الْمُشَابَهَةُ بِأَنْ رَفَضَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ مَا أَدَّى بِهَا الصَّلَاةَ وَتَمَّ حُكْمُهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَفَضَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ أَتَى بِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ.
فَإِنْ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ فِي مِثْلِ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا قَالَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ طَرَيَان التَّنَاقُضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَلِذَا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ جَرَيَانُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ كَمَالِهِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا)
التَّدَاخُلُ وَالتَّسَاقُطُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي دَخَلَ فِي غَيْرِهِ وَلَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي سَقَطَ بِغَيْرِهِ، وَثَانِيهِمَا: جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُمَا تَفَارَقَا فِي جِهَاتٍ:
الْجِهَةُ الْأُولَى: أَنَّ تَسَاقُطَ الْأَسْبَابِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَتَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ يَقْتَضِي شَيْئًا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي ضِدَّهُ فَيُقَدِّمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا عَلَى الْمَرْجُوحِ فَيَسْقُطُ الْمَرْجُوحُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ مَعًا وَتَدَاخُلُهَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ مُسَبِّبِهَا بِأَنْ يُوجَدَ سَبَبَانِ مُسَبِّبُهُمَا وَاحِدٌ.
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّدَاخُلَ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي اتِّحَادِ الْمُسَبَّبُ وَالتَّسَاقُطُ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي تَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ؛ إذْ الْأَصْلُ