وَاسْتِحَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الشَّرِيعَةِ وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاقِعِ الْخِلَافِ وَلَقَدْ حَضَرْت يَوْمًا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ فَاضِلَانِ كَبِيرَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ قَوْلَانِ أَمَّا مِنْ حِينِهِ فَمُسَلَّمٌ مَعْقُولٌ.
وَأَمَّا مِنْ أَصْلِهِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْعَقْدَ وَاقِعٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي، وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ وَإِخْرَاجُ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي مُحَالٌ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ؟ قَالَ لَهُ الْآخَرُ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَفْعِ آثَارِهِ دُونَ نَفْسِ الْعَقْدِ فَقَالَ لَهُ: الْآثَارُ وَالْأَحْكَامُ هِيَ أَيْضًا وَاقِعَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ وَقَدْ تَضَمَّنَهَا أَيْضًا الزَّمَانُ الْمَاضِي فَيَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا كَالْعَقْدِ وَيَمْتَنِعُ إخْرَاجُهَا مِنْ الزَّمَانِ الْمَاضِي كَسَائِرِ الْمَاضِيَاتِ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: هَذَا السُّؤَالُ يَرِدُ عَلَى مِثْلِي وَأَظْهَرَ الْغَضَبَ وَالنُّفُورَ لِقَلِقِهِ وَقُوَّةِ السُّؤَالِ وَافْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ جَوَابٍ وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا الْجَهْلُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَهَا أَنَا أُوَضِّحُهُ لَك بِذِكْرِ مَسَائِلَ أَرْبَعٍ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَالسُّؤَالُ فِيهَا فَنَقُولُ الْعَقْدُ وَاقِعٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ لَكِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ التَّقْدِيرَاتِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَهَذَا الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا لَكِنْ يُقَدِّرُهُ الشَّرْعُ مَعْدُومًا أَيْ يُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ عَقْدٍ لَمْ يُوجَدْ لَا أَنَّهُ يُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ تَكُونُ وَكَذَلِكَ الْغَلَّاتُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ هَلْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِلْبَائِعِ إنْ قَدَّرْنَاهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ جَعَلْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حِينِهِ فَهَذَا كُلُّهُ فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ عَقْلِيَّةٍ حَتَّى يَلْزَمَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ لَا مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَفْضُ النِّيَّاتِ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَةِ وَرَفْعُ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ عَدَمُ الرَّفْعِ وَفِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ صِحَّةُ الرَّفْضِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ فَإِنَّ النِّيَّةَ وَقَعَتْ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ رَفْعُ الْوَاقِعِ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَصْدُ إلَى الْمُسْتَحِيلِ بَلْ النِّيَّةُ وَاقِعَةٌ قَطْعًا وَالْعِبَادَةُ مُحَقَّقَةٌ جَزْمًا فَالْقَصْدُ لِرَفْضِ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ قَصْدٌ لِلْمُسْتَحِيلِ وَرَفْعُ الْوَاقِعِ وَإِخْرَاجُ مَا انْدَرَجَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مِنْهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ يُقَدِّرُ هَذِهِ النِّيَّةَ أَوْ هَذِهِ الْعِبَادَةَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُوجَدْ لَا أَنَّهُ يُبْطِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSغَيْرَ قَوْلِهِ بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ فَإِنَّهُ.
وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ مِمَّا ثَبَتَ لَهُ حُكْمٌ فِي مَوَاضِعَ فَلَا حَاجَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَيْرَ قَوْلِهِ بِتَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ أَعْنِي بَعْدَ إنْفَاذِ الْمُقَاتِلِ، وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ بَلْ هُوَ مَوْضِعُ تَحْقِيقٍ لِلْمِلْكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَكَّلَ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ، فَإِذَا اخْتَارَ إيقَاعَ الْجُمُعَةِ لَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً فَالْحُرُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَكُنْ مُفْتَرِضٌ ائْتَمَّ بِمُتَنَفِّلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الظُّهْرِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ.
وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ مَعَ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْ أَنِّي رَأَيْت فَرْعَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ فِي ظُهْرِ غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي ظُهْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَاقْتِدَائِهِ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ قَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ فِي الْجُمُعَةِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُفْتَرِضَ لَا يَأْتَمُّ بِالْمُتَنَفِّلِ فَافْهَمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُخَيَّرٌ وَوَاجِبٌ غَيْرُ مُخَيَّرٍ وَالْوُجُوبُ فِي غَيْرِ الْمُخَيَّرِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ خَصَّهُ بِهِ الْآمِرُ وَلَمْ يَكِلْ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ فَلِذَا كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إجْزَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهِ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِإِجْزَائِهِ عَنْهُ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كَمَا عَلِمْت وَالْوُجُوبُ فِي الْمُخَيَّرِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْآمِرُ بَلْ وَكَّلَ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ فَمَا اخْتَارَهُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَأَوْضَحَ لَك قَاعِدَةَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ أُخَرَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُكَفِّرِ إحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ بِلَا تَعْيِينٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ بَلْ التَّعْيِينُ مَوْكُولٌ لِخِيرَةِ الْمُكَفِّرِ فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهَا كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْمُسَافِرَ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ بِدُونِ تَعْيِينٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ بَلْ التَّعْيِينُ وَكَّلَهُ لِخِيرَةِ الْمُسَافِرِ فَإِذَا اخْتَارَ صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ شَهْرَ الْقَضَاءِ وَصَامَهُ كَانَ قَدْ صَامَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَعَيَّنَ خُصُوصُ شَهْرِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَخْتَرْ صِيَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا كَانَ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ آخِرُ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ مَا قَبْلَهُ وَتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَقَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ يُفَارِقُ الْقَضَاءَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِعُمُومِهِ وُجُوبٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ خُصُوصُ شَهْرِ