الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصَّبِيُّ إذَا صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مَا قَارَنَهُ مِنْ إجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ مَثَلًا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى لَكَانَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَامَةَ كُلَّهَا أَسْبَابٌ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذَا الْفَرْقِ فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَامَةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ سَبَبٌ لِلْفِعْلِ وَالْجُزْءُ الَّذِي قَارَنَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الزَّوَالَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَيَكُونَ ذَلِكَ مُصَادَرَةً عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ وَإِنْ ادَّعَاهُ فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ فَلَا يُمْكِنُهُ إلْحَاقُ صُورَةِ النِّزَاعِ بِصُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْقِيَاسِ فَإِذَا قَاسَ فَرَّقْنَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ وُجِدَ فِيهَا حَالَتَانِ تَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَهُمَا الصِّبَا وَالْبُلُوغُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ أَمَّا مَعَ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَاخْتِلَافِهِ جَازَ اخْتِلَافُ الْمَشْرُوطِ وَالصِّبَا شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ النَّدْبِ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ الْوُجُوبِ.
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ) فَالْأَوَّلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَالثَّانِي قَدْ يُجْزِئُ عَنْهُ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الزَّكَاةُ إذَا عُجِّلَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ إمَّا بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَنَا وَإِمَّا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهَذَا الْمُعَجَّلُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنَّ دَوَرَانَ الْحَوْلِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ، فَإِذَا دَارَ الْحَوْلُ وَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمُخْرَجِ وَبَيْنَ مَا إذَا نَوَى بِإِخْرَاجِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ وَأَمَّا الْمُعَجِّلُ لِلزَّكَاةِ فَهُوَ قَاصِدٌ بِالْمُخْرَجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصَّبِيُّ إذَا صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ، قَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ.
قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ احْتِمَالِ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَصَحُّ نَظَرُ امْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ فِي الزَّكَاةِ وَلُزُومُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَيُصَادِمُهُمْ الْإِجْمَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَالتَّجْدِيدِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَيْ إجْزَاءُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوقِعِينَ لِهَذِهِ الطِّهَارَاتِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا إحْرَازَ كَمَالِهَا وَالْكَمَالُ فِي رَأْيِهِ يَتَضَمَّنُ الْأَجْزَاءَ بِخِلَافِ رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْكَمَالَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الثَّلَاثُ الْمَسَائِلِ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ أَيْضًا بِالْإِجْزَاءِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ. اهـ.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مُحْتَوٍ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي ذَكَرَ الْأَصْلُ مِنْهَا ثَلَاثَةً:
الْأُولَى: إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ تُجْزِئَاهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ فَرْضِهِ فَصَلَّى بَقِيَّةَ فَرْضِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.
الثَّالِثَةُ: إذَا سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا هَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي نَسِيَ مِنْهَا السَّجْدَةَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَسْأَلَةُ الْمُسَلِّمِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالظَّانِّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاهِي عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى الْقَائِمِ إلَى خَامِسَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ فِي الْخَامِسَةِ لِأَدَاءِ بَقِيَّةِ فَرْضِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ
الرَّابِعَةُ أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَاحْكُمْ لِتَارِكِ سَجْدَةٍ ... مِنْ الْفَرْضِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ لِسَهْوِهِ
يَعْنِي وَاحْكُمْ بِالْإِجْزَاءِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ لِتَارِكِ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي حَالِ إتْيَانِهِ بِسَجْدَةِ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ.
الْخَامِسَةُ: أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ يَظُنَّ سَلَامَهُ ... لِثَالِثَةٍ قَدْ قَامَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ
يَعْنِي وَمَنْ قَامَ مِنْ ثَانِيَةِ فَرْضٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ يَظُنَّ السَّلَامَ لِثَالِثَةٍ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَيْضًا أَمَّا إنْ سَلَّمَ أَوْ ظَنَّ السَّلَامَ فَهُمَا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى