النَّبَاتُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَهْلُ الْفُسُوقِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا أَعْنِي كَثِيرَهَا الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ الْوَاجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ أَوْ الْحَدُّ عَلَى أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ أَوْ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ وَنُصُوصُ الْمُتَحَدِّثِينَ عَلَى النَّبَاتِ تَقْتَضِي أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَهَا بِذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ عَلَى مَا أُقَرِّرُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَرْعٌ مُرَتَّبٌ سُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ عَمَّنْ صَلَّى بِالْحَشِيشَةِ مَعَهُ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ فَأَفْتَى أَنَّهُ إنْ صَلَّى بِهَا قَبْلَ أَنْ تُحَمَّصَ أَوْ تُصْلَقَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْفَرْقِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بَعْدَ التَّحْمِيصِ أَوْ الصَّلْقِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ وَرَقٌ أَخْضَرُ فَلَا بَلْ هِيَ كَالْعَصِيرِ الَّذِي لِلْعِنَبِ وَتَحْمِيصُهَا كَغَلَيَانِهِ وَسَأَلْت عَنْ هَذَا الْفَرْقِ جَمَاعَةً مِمَّنْ يُعَانِيهَا فَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ هَذَا الْفَرْقَ وَقَالَ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ النَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تُحَمَّصُ لِإِصْلَاحِ طَعْمِهَا وَتَعْدِيلِ كَيْفِيَّتِهَا خَاصَّةً فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ هَذَا الْفَرْقِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْقِ يَكُونُ الْحَقُّ مَا قَالَهُ الْمُفْتِي إنْ صَحَّ أَنَّهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَإِلَّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ وَالْمُفْسِدَةُ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ وَجَوْزَةِ بَابِلَ الثَّالِثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَاعِدَةُ فِي التَّأْدِيبَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَاتِ فَكُلَّمَا عَظُمَتْ الْجِنَايَةُ عَظُمَتْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا فَرَضَ شَخْصٌ مِنْ الْجُنَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّأْدِيبُ اللَّائِقُ بِجِنَايَتِهِ رَدْعًا وَاَلَّذِي يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ هَذَا الْجَانِيَ يَسْقُطُ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْمُنَاسِبُ فَيَسْقُطُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَالْإِيلَامُ مَفْسَدَةٌ لَا تُشْرَعُ إلَّا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ فَحَيْثُ لَا مَصْلَحَةَ لَا تُشْرَعُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنَاسِبِ فَلِعَدَمِ سَبَبِهِ الْمُبِيحِ فَيَسْقُطُ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ اتِّجَاهًا قَوِيًّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْحَطَّابِ مَا نَصُّهُ فَرْعٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالظَّاهِرُ جَوَازُ مَا يُسْقَى مِنْ الْمُرْقِدِ لِقَطْعِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمُرْقِدِ مَأْمُونٌ وَضَرَرُ الْعُضْوِ غَيْرُ مَأْمُونٍ نَقَلَهُ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ قُلْت وَفِي هَذَا الْجَوَازِ يَنْفَرِدُ الْمُرْقِدُ عَنْ الْمُفْسِدِ أَيْضًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
اعْلَمْ أَنَّ النَّبَاتَ الْمَعْرُوفَ بِالْحَشِيشَةِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ وَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَانْتَشَرَتْ فِي دَوْلَةِ التَّتَارِ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَجَمِ قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَطَلَبَ دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ وَعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسًا حَضَرَهُ عُلَمَاءُ الْعَصْرِ فَاسْتَدَلَّ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» فَأَعْجَبَ الْحَاضِرِينَ قَالَ وَنَبَّهَ السُّيُوطِيّ عَلَى صِحَّتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى حُرْمَةِ الْمُفَتِّرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَابًا وَلَا مُسْكِرًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْخَمْرِ وَالْعَسَلِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا.
وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي جَامِعِهِ وَلَوْلَا صَلَاحِيَّتُهُ لِلِاحْتِجَاجِ مَا احْتَجَّ بِهِ هَؤُلَاءِ وَهُمْ رِجَالُ الْحَدِيثِ وَجَهَابِذَتُهُ وَكَوْنُ الْحَشِيشَةِ مِنْ الْمُفَتِّرِ مِمَّا أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلُوهَا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ وَبِخَبَرِهِمْ يُعْتَدُّ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ شَيْئَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ ثُمَّ نَصَّ عَلَى حُكْمِ النَّهْيِ عَنْ أَحَدِهِمَا مِنْ حُرْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أُعْطِيَ الْآخَرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهِمَا فِي الذِّكْرِ وَالنَّهْيِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذُكِرَ الْمُفَتِّرُ مَقْرُونًا بِالْمُسْكِرِ وَتَقَرَّرَ عِنْدنَا تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى الْمُفَتِّرُ حُكْمَهُ بِقَرِينَةِ النَّهْيِ عَنْهُمَا مُقْتَرِنَيْنِ وَفَسَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ التَّفْتِيرَ بِاسْتِرْخَاءِ الْأَطْرَافِ وَتَخَدُّرِهَا وَصَيْرُورَتِهَا إلَى وَهَنٍ وَانْكِسَارٍ وَذَلِكَ مِنْ مَبَادِئِ النَّشْوَةِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِهَا أَفَادَهُ ابْنُ حَمْدُونٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ الْعُشْبَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالتُّنْبَاكِ وَالتُّتْن وَالدُّخَانِ وَدُخَانِ طَابَهُ وَتَابِغًا وَطَابِغًا وَطَابَهُ بتنبكتو فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ كَمَا فِي ابْنِ حَمْدُونٍ أَيْ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْأَلْفِ كَمَا نَقَلَهُ اللَّكْنَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الزَّاهِدِ مُحَمَّدٍ أَوْ فِي سَنَةِ خَمْسَةَ عَشْرَ كَمَا نَقَلَهُ اللَّكْنَوِيُّ عَنْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي رِسَالَتِهِ تَرْوِيحِ الْجَنَانِ وَمُقْتَضَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ
يَا خَلِيلِي عَنْ الدُّخَانِ أَجِبْنِي ... هَلْ لَهُ فِي كِتَابِنَا إيمَاءُ
قُلْت مَا فَرَّطَ الْكِتَابُ بِشَيْءِ ... ثُمَّ أَرَّخْت يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ
أَنَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَهُوَ مُفَادُ قَوْلِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ فِي عُمْدَةِ الْمُرِيدِ شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ قَدْ حَدَثَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ وَقُبَيْلَهُ بِمُدَّةِ قَلِيلَةٍ كَمَا فِي تَرْوِيحِ الْجَنَانِ بِتَشْرِيحِ حُكْمِ شُرْبِ الدُّخَّانِ لِلَّكْنَوِيِّ وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى مُخْتَصَرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقَدْرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْعَقْلِ مِنْهَا حَرَامٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْقَدْرُ الْغَيْرُ الْمُؤَثِّرِ فَأَطْبَقَ الْمَغَارِبَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَارِقَةِ كَالشَّيْخِ سَالِمٍ السَّنْهُورِيِّ وَتِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَلَّفَ فِي تَحْرِيمِهَا سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْفَكُّونُ تَأْلِيفًا فِي عِدَّةِ كَرَارِيسَ مُشْتَمِلًا عَلَى