مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ فَمَتَى عَرَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ عَنْهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ مَا لَمْ تُسْتَدْرَكْ بِالنِّيَّةِ عَنْ قُرْبٍ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَّكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِمَا تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ قُلْت وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْوُضُوءَ الْعَادِيَّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ أَوْ الْوُضُوءِ لَا يُقْدِمُ عَلَى تَرْقِيعِ الصَّلَاةِ وَلَا تَرْقِيعِ وُضُوئِهِ بَلْ إنَّمَا يَقْصِدُ الْعِبَادَةَ الَّتِي لَا تَرْقِيعَ فِيهَا فَالْمُرَقَّعَةُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا لَا النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ وَلَا الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ فَلَا تَتَنَاوَلُ الْمُرَقَّعَةَ وَلَا الْمُفَرَّقَةَ فَبَقِيَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ لِعَدَمِ شَرْطِهَا فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ احْتَاجَ التَّرْقِيعُ أَبَدًا إلَى النِّيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ تُجَدَّدُ لَهُ فَمَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ تُجَدَّدُ لَهُ بَقِيَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ أَجْزَائِهَا فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
رَفْضُ النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ قَوْلَانِ هَلْ يُؤَثِّرُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قُلْنَا يُؤَثِّرُ فَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الرَّفْضُ وَهِيَ الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعِبَادَةِ لَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْكَائِنَةَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ لَضَادَدَتْهَا وَنَافَتْهَا فَإِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهِ مُتَضَادَّانِ وَمَا ضَادَّ الْفِعْلِيَّةَ ضَادَّ الْحُكْمِيَّةَ الَّتِي هِيَ فَرْعُهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْفُرُوعِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ وَأَنَّ الْحُكْمِيَّاتِ أَبَدًا تَابِعَةٌ فُرُوعَ الْفِعْلِيَّاتِ وَأَنَّ الْفِعْلِيَّاتِ وَالْحُكْمِيَّاتِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْعِبَادَاتِ الْعَادِيَّاتِ دُونَ الطَّارِئَاتِ وَأَنَّ التَّلَفِيَّاتِ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ أَبَدًا لِعَدَمِهَا فِيهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. .
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ) فَالْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِرَاضِ وَمَا هُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْأَقْوَالِ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَافْتَرَقَتْ هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مِنْ وُجُوهٍ تَظْهَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَمَالِ وَلَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَبَحَثَ فِيهِ وَأَطَالَ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ لَمْ أَجِدْ مَا يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِذَلِكَ وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي فِي تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ رَفْضُ الطَّهَارَةِ يَنْقُضُهَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنَمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ يَصِحُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ هُوَ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ رَفْضُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَصَحَّ رَفْضُهَا كَالصَّلَاةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تَبْطُلْ بِالرَّفْضِ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى اهـ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُرْتَفَضُ بِلَا خِلَافٍ اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ بِتَصَرُّفٍ وَمُحَصِّلُهُ مَعَ زِيَادَةِ بَيَانِ مَا فِي رَفْضِ التَّيَمُّمِ وَالِاعْتِكَافِ قَوْلُ الْأَمِيرِ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ (وَارْتُفِضَ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ فِي الْأَثْنَاءِ) عَلَى الرَّاجِحِ (فَقَطْ) وَيُغْتَفَرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْأَصْلُ (كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ) فِي الْأَثْنَاءِ اتِّفَاقًا.
(وَقِيلَ) وَرَجَحَ أَيْضًا يُرْتَفَضُ (هَذَانِ مُطْلَقًا) وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ (وَلَا يُرْتَفَضُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مُطْلَقًا) لِمَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَلَا يُقَالُ يَأْتَنِفُ إحْرَامًا صَحِيحًا وَيَتْرُكُ مَا رَفَضَهُ لِأَنَّ فَاسِدَهُمَا يَجِبُ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ (وَالتَّيَمُّمُ) وَإِنْ كَانَ طَهَارَةً ضَعِيفَةً (وَالِاعْتِكَافُ) وَإِنْ احْتَوَى عَلَى الصَّوْمِ (كَالْوُضُوءِ عَلَى الظَّاهِرِ) وَيُحْتَمَلُ رَفْضُ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَجَرَيَانُ الثَّانِي عَلَى الصَّوْمِ اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَالسَّعْيُ وَالطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَنْسَكِ الْوَالِدِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَقَائِقُ عَشْرَةٌ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ وَتَيَمُّمٌ وَاعْتِكَافٌ وَصَلَاةٌ وَصَوْمٌ وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ وَلَا خِلَافَ فِي رَفْضِ مَا عَدَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالِاعْتِكَافَ فِي الْأَثْنَاءِ وَلَا فِي عَدَمِ رَفْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا وَلَا فِي عَدَمِ رَفْضِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَفِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْأَثْنَاءِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ أَثْنَاءَ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الْأَحْكَامِ مَا تَوْضِيحُهُ.
وَالْحَقُّ صِحَّةُ الرَّفْضِ فِي أَثْنَاءِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ لَا بَعْدَ كَمَالِهَا عَلَى شُرُوطِهَا لِأَنَّ مَعْنَاهَا فِي الْأَثْنَاءِ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا بِالْعِبَادَةِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ ثُمَّ أَتَمَّهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ بِنِيَّةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِعِبَادَتِهِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا كَالْمُتَطَهِّرِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ يَنْسَخُ تِلْكَ النِّيَّةَ بِنِيَّتِهِ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنَظُّفَ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْبَدَنِيَّةِ وَمَعْنَاهُ بَعْدَ كَمَالِهَا عَلَى شُرُوطِهَا قَصْدُهُ أَنْ لَا تَكُونَ عِبَادَةً وَلَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا مِنْ إجْزَاءٍ أَوْ اسْتِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا بَلْ هِيَ عَلَى حُكْمِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ وَخِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَكَذَا التَّيَمُّمُ بَعْدَ الْكَمَالِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَهَا وَجْهَانِ فِي النَّظَرِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي قَالَ إنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهَا لَازِمٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا بِنَاقِضٍ طَارِئٍ وَمَنْ نَظَرَ إلَى حُكْمِهِمَا أَعْنِي حُكْمَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مُسْتَصْحِبًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ وَذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ الْأُولَى الْمُقَارِنَةِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِنِيَّةِ الرَّفْضِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ بِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ كَالرَّفْضِ الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ وَمَا قَارَنَ الْفِعْلَ مُؤَثِّرٌ فَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ فَلَوْ انْتَفَتْ