فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ فِيهِ لَا مُنَافِيَةٌ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ أَلْبَتَّةَ فَالْمُعْتَبَرُ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا هُوَ الْقَصْدُ إلَى إخْرَاجِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ عَنْ الْعُمُومِ لَا الْقَصْدُ إلَى دُخُولِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُنَافٍ وَمُخَصِّصٌ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ مُؤَكِّدٌ فَفَاتَ فِيهِ شَرْطُ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ اللَّفْظِيَّةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ وَاقْتُلُوا الْيَهُودَ فَلَا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ اُقْتُلُوا الْيَهُودَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ بَلْ مُؤَكِّدٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَلَوْ قَالَ لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ لَكَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُمْ الْيَهُودُ لِحُصُولِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ النِّيَّةُ.
فَمَتَى قَالَ الْمُسْتَفْتَى نَوَيْتُ كَذَا فَانْظُرْ لِنِيَّتِهِ تِلْكَ هَلْ هِيَ مُخْرِجَةٌ مُنَافِيَةٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدْتهَا مُنَافِيَةً مُخْرِجَةً فَاجْعَلْهَا مُخَصِّصَةً وَلَا تُحَنِّثْهُ بِمَا نَوَى إخْرَاجَهُ عَنْ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْهَا مُخْرِجَةً فَقُلْ لَا أَثَرَ لَهَا أَلْبَتَّةَ إلَّا التَّأْكِيدَ وَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُخَصِّصَاتِ وَمَتَى لَمْ تَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَخْطَأْت
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمَتَى لَمْ تَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَخْطَأْت) قُلْت أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ فَصَحِيحٌ وَذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَصِّصَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا اُحْتُمِلَ قَصْدُ التَّأْكِيدِ وَقَصْدُ التَّخْصِيصِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ مُقْتَضَى الْعُمُومِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُنَافَاةُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ لِاسْتِحَالَةِ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ مُخَصِّصَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا عَلَى النِّيَّاتِ وَالْقُصُودِ وَمَا لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ وَلَا مَقْصُودٍ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَلَا مُؤَاخَذٍ بِسَبَبِهِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْمِلْ شِهَابُ الدِّينِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا رَأَيْت قَوْمًا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَأَلُوهُ إلَّا عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ يَعْنِي أَنَّ هَذَا كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ لَمْ يَحْرُمْ فَيَقُولُ عَفْوٌ وَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَ الْعَفْوُ يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ زَكَاةٌ وَقَالَ عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَلَّ اللَّهُ حَلَالًا وَحَرَّمَ حَرَامًا فَمَا حَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرُمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ.
2 -
وَالثَّالِثُ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] الْآيَةَ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فِي الْإِذْنِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ الْعَفْوُ عَنْ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ حَسْبَمَا بَسَطَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] «وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكْرَهُ كَثْرَةَ السُّؤَالِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ» بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ إذْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْأَفْعَالَ مَعَهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ فَحَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَاَسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا
أَحَدُهَا أَنَّ أَفْعَالَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً تَحْتَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَهُوَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ التَّخْيِيرُ أَوْ لَا تَكُونُ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً فَإِنْ كَانَ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً فَلَا زَائِدَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً بِجُمْلَتِهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ أَوْ حَالَةٍ مَا لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّا فَرَضْنَاهُ مُكَلَّفًا فَلَا يَصِحُّ خُرُوجُهُ فَلَا زَائِدَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ
وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا زَائِدٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنْوَاعُهُ مَحْصُورَةٌ فِي الْخَمْسَةِ وَإِمَّا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَأَنْوَاعُهُ أَيْضًا مَحْصُورَةٌ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأُصُولِيُّونَ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَذِهِ وَلَا مِنْ هَذِهِ فَكَانَ لَغْوًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا أَنَّهُ مُسَمًّى بِالْعَفْوِ وَالْعَفْوُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُتَوَقَّعُ لِلْمُكَلَّفِ حُكْمُ الْمُخَالَفَةِ لِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ بِهِ قَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ حُكْمٌ آخَرُ لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ وَثَانِيًا أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ أُخْرَوِيٌّ لَا دُنْيَوِيٌّ وَكَلَامُنَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَوَجِّهَةِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الزَّائِدَ أَيْ مَرْتَبَةَ الْعَفْوِ إنْ كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يُقَالَ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَخْلُوَ بَعْضُ الْوَقَائِعِ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَمْ لَا فَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَيْسَ إثْبَاتُهَا أَوْلَى مِنْ نَفْيِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَدِلَّةُ فِيهَا مُتَعَارِضَةٌ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا إلَّا بِالدَّلِيلِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَدَعْوَاهُ وَأَيْضًا إنْ كَانَتْ اجْتِهَادِيَّةً فَالظَّاهِرُ نَفْيُهَا بِالْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَاجِعَةً إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَلَيْسَتْ بِمَفْهُومَةٍ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى إثْبَاتِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ لَا دَلِيلَ فِيهِ فَالْأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْأَحْكَامِ