قَرِينَةٍ عَلَى الْقَانُونِ الْمُتَقَدِّمِ حُمِلَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ أَوْ بِسَاطُ يَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ) هَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا ذَهَبَ عَنْهُ كُلُّ مَنْ يُفْتِي مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ فَلَا يَكَادُونَ يَتَعَرَّضُونَ عِنْدَ الْفَتَاوَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا جَاءَهُمْ حَالِفٌ وَقَالَ حَلَفْت لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَيْتُ الْكَتَّانَ يَقُولُونَ لَهُ لَا تَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ وَهُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ وَطَرِيقُ كَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ إنَّ الْمُطْلِقَ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَنَوَى جَمِيعَ أَفْرَادِهِ بِيَمِينِهِ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ لِوُجُودِ اللَّفْظِ فِيهِ وَلِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ لِصِيغَةِ الْعُمُومِ وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظِ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا بِسَاطٍ وَلَا عَادَةٍ صَارِفَةٍ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ لِلْوَضْعِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَنَوَى بَعْضَهَا بِالْيَمِينِ وَغَفَلَ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ حَنَّثْنَاهُ بِالْبَعْضِ الْمَنْوِيِّ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ بِاللَّفْظِ فَإِنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْحُكْمِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ لِصَرَاحَتِهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ)
قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَحْنِيثِ الْحَالِفِ الْمُطْلِقِ اللَّفْظَ الْعَامَّ النَّاوِي لِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْغَافِلُ عَنْ سِوَاهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ أَوَّلُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَالِفِ ثُمَّ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ وَالسَّبَبُ وَالْبِسَاطُ إذَا اقْتَضَيَا تَقْيِيدَ اللَّفْظِ أَوْ تَخْصِيصَهُ نَزَلَ لَفْظُ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثْ بِمَا عَدَاهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ السَّبَبَ وَالْبِسَاطَ يَدُلَّانِ عَلَى قَصْدِهِ التَّقْيِيدَ أَوْ التَّخْصِيصَ فَإِذَا نَوَى التَّقْيِيدَ وَالتَّخْصِيصَ فَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَنْوِيَّانِ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِمَا بِالسَّبَبِ وَالْبِسَاطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَافْهَمْ وَثَانِي الْأُمُورِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ الْفِعْلُ لَا الْكَوْنُ كَذَا وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِالتَّكْلِيفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ اهـ.
أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي كَالنَّائِمِ وَالسَّاهِي فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَكْلِيفُهُ لَكَانَ مُسْتَدْعِيَ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى قَصْدِ الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُ وَأَنَّهُ مُحَالٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِالْأَمْرِ قَصْدُ الْفِعْلِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَاسْتِحَالَةُ اللَّازِمِ يَلْزَمُهَا اسْتِحَالَةُ الْمَلْزُومِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَدْرِي وَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ كَمَا أُلْجِئَ إلَيْهِ كَالْمُلْقَى مِنْ شَاهِقٍ عَلَى شَخْصٍ يَقْتُلُهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهِ الْقَاتِلِ لَهُ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ بِالْمُلْجَأِ إلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ إلَيْهِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ عَادَةً وَنَقِيضُهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ كَذَلِكَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَتَكْلِيفُ الْغَافِلِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْخَلَلَ فِي الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الثَّانِي رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ عَلَى أَنَّ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَائِدَةً مَفْقُودَةً فِي تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّخْصِ هَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ أَوْ لَا نَعَمْ تَكْلِيفُ الْمُلْجَأِ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْلِيفِ الزَّمِنِ بِالْمَشْيِ وَالْإِنْسَانِ بِالطَّيَرَانِ الَّذِي عَدَّهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ قَبِيل التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَجَوَّزَهُ قَالَ سم إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْمُلْجَأَ سَاقِطُ الِاخْتِيَارِ رَأْسًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
مُلَخَّصًا مِنْ الْمَحَلِّيّ وَالْعَطَّارِ وَالشِّرْبِينِيُّ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُلْجَأِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ أُزِيلَ رِضَاهُ وَاخْتِيَارُهُ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا قُدْرَةَ لَهُ أَصْلًا بِالْإِلْجَاءِ كَمَا أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْغَافِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِهِ مِنْ حَيْثُ غَفْلَتِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ أَيْ مَا لَا يُطَاقُ عَادَةً إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا تَصْلُحُ قُدْرَتُهُ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّكْلِيفِ وَعَدَمِ إكْرَاهِهِ وَإِلْجَائِهِ فَكَلَامُهُمْ فِي كُلٍّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ عُمُومِ غَيْرِهِ لَهُ أَوْ عُمُومِهِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اكْتَفَوْا فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَشَابِهَةِ بِالْقُيُودِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ عُنْوَانِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ هِيَ مَحَلَّ الْكَلَامِ فِيهَا فَسَقَطَ مَا لسم وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا فَافْهَمْ وَيُضْبَطُ خِطَابُ الْوَضْعِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا
أَحَدُهَا أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَالْعَزَائِمِ وَالرُّخَصِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَاحِدًا وَالْعَزَائِمِ وَالرُّخْصِ وَاحِدًا كَمَا فِي الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَلَمْ يَعُدَّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ وَحَوَاشِيهِ الْعَزَائِمَ وَالرُّخَصَ بَلْ اعْتَبَرُوا الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ نَوْعَيْنِ لَا نَوْعًا وَاحِدًا بَلْ قَالَ الْعَطَّارُ الْحَقُّ مَا لِلنَّاصِرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ بِعَرَضِ الْعِبَادَةِ مَثَلًا عَلَى الْأَوَامِرِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلْأَوَامِرِ أَوْ مُخَالِفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ كَكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ تَارِكًا لَهَا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ ثَلَاثَةٌ اهـ
وَثَانِيهَا أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ