الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ لِلصَّبِيِّ كُنَّا مُوَافِقِينَ لِلْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ أَلْبَتَّةَ أَمَّا لَوْ أَسْقَطْنَا إتْلَافَهُ وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ لَضَاعَ مَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَلِفَ وَتَعَيَّنَ ضَرَرُهُ وَهَذَا فَرْقٌ كَبِيرٌ فَتَأَمَّلْهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الطَّهَارَةُ وَالسِّتَارَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ فَتَاوَى عُلَمَائِنَا مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا يَقَعُ تَبَعًا لِطَرَءَانِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَقَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبَ وَإِذَا عُدِمَ الْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ اتَّجَهَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَإِنْ عُلِمَ الْوَاجِبُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يُفْعَلُ لَا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الطَّهَارَةُ وَالسِّتَارَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْفَتَاوَى مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ صَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ)
قُلْت قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ مَمْنُوعٌ بَلْ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوسَعِ وَقَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا يُقْلَعُ تَبَعًا لِطَرَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَبَعًا لِطَرَيَانِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بَلْ يَقَعُ تَبَعًا لِطَرَيَانِ الْعَزْمِ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَوَقْتُ طَرَيَان هَذَا الْعَزْمِ مَا بَيْنَ أَقْرَبِ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ وَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُ صِحَّةِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إجْزَاءِ الطَّهَارَةِ الْمُوقَعَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعَ تَعَذُّرِ الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَمَعَ لُزُومِ نِيَّةِ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِبَ الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَهَذَا مِنْ الْعَادِيَاتِ بِمَثَابَةِ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ اضْطِرَارُهُ إلَى الْغِذَاءِ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِنْ شَرْطِ الْغِذَاءِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِهِ طَبْخُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّبْخِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ عَلَى وَقْتِ الِاغْتِذَاءِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ الطَّبْخِ الزَّمَنُ الْمُجَاوِرُ لِزَمَنِ الِاغْتِذَاءِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْخِ وَالِاسْتِعْدَادُ بِهِ مِنْ حِينِ طُرُوءِ عَزْمِهِ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِالِاغْتِذَاءِ بِالْقَرِيبِ الطَّبْخُ وَالْبَعِيدِ الطَّبْخُ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِوَاءِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ هَذَا الشَّخْصِ وَهَذَا الْغِذَاءِ قَالَ (فَقَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبَ) قُلْت ذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَيْسَ سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ هُوَ بِعَيْنِهِ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ بَلْ الْعَزْمُ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي مُغَايَرَةِ سَبَبِ الْمَشْرُوطِ سَبَبَ الشَّرْطِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَضْعِيَّةٌ تَقَعُ بِحَسْبِ قَصْدِ وَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَإِذَا عُدِمَ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ اُتُّجِهَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يُفْعَلُ لَا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ) قُلْت
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: سَحْنُونٌ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَتَقْلِيدِ الْعُلُومِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْف يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْف يَنْهَى عَنْهُ. اهـ.
لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ مُخَالَفَتِهِمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ضَرُورَةُ أَنَّ الْعِلْمَ وَضَبْطَ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ مَنْ جَادَ حِفْظُهُمْ وَرَقَّ فَهْمُهُمْ وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُمْ وَطَابَتْ سَرِيرَتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ عَدِيمَ الْحِفْظِ أَوْ قَلِيلَهُ وَسَيِّئَ الْفَهْمِ لَا يَصْلُحُ لِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَاءَتْ سَرِيرَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْوُثُوقُ لِلْعَامَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ التَّقْلِيدِ فَتَضِيعُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُتَعَيِّنَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ صَارَ طَلَبُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا فَرْضَ عَيْنٍ لَا فَرْضَ كِفَايَةٍ إذْ لَا يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ بِالْحَجَرِ وَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ فَإِنَّ كُلَّ بَلِيدٍ أَوْ زَكِيٍّ يَصْلُحُ لَهُ لِسُهُولَةِ أَمْرِهِ وَصُعُوبَةِ ضَبْطِ الْعُلُومِ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ سَحْنُونٍ وَأَبِي بَكْرٍ.
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ حَقِّ الْبِنْتِ فِي الْإِعْفَافِ وَالتَّصَوُّنِ وَدَفْعِ ضَرَرِ مُوَاقَعَةِ الشَّهْوَةِ