الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ الَّذِي امْتَازُوا بِهِ عَنْ الْأَجَانِبِ هَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ وَأَنَا أُقَرِّبُ ذَلِكَ وَأُلَخِّصُهُ بِذِكْرِ مَسَائِلَ وَفَتَاوَى مَنْقُولَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ تَخْتَصُّ بِالْوَالِدَيْنِ فَيَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْرِيبُ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ بِثَمَانِ مَسَائِلَ:

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قِيلَ لِمَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ أَيْ وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَقَالَ فِيهِ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ وَالِدِي فِي بَلَدِ السُّودَانِ كَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ عَلَيْهِ وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك وَرُوِيَ أَنَّ اللَّيْثَ أَمَرَهُ بِطَاعَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ كَمَا حَكَى الْبَاجِيَّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى زَوْجِهَا فَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ابْنَهَا بِأَنْ يَتَوَكَّلَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَكَانَ يُحَاكِمُهُ وَيُخَاصِمُهُ فِي الْمَجَالِسِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأُمِّ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّهُ عُقُوقٌ لِلْأَبِ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ بِرَّهُ أَقَلُّ مِنْ بِرِّ الْأُمِّ لَا أَنَّ الْأَبَ يُعَقُّ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْ الْحَجِّ لَا يَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا الْفَرِيضَةَ فَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي النَّافِلَةِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يُوَافِقُهُمَا فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَعْصِيهِمَا فِي الْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ بِمُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ أَوْ يُنْذَرَهُ فَيَتَأَخَّرَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ دُونَ الْحَرَامِ وَإِنْ كَرِهَا انْفِرَادَهُ عَنْهُمَا فِي الطَّعَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُمَا وَيَأْكُلُ مَعَهُمَا لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ مَنْدُوبٌ وَتَرْكَ طَاعَتِهِمَا حَرَامٌ وَالْحَرَامُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَلَا يُسَافِرُ فِي مُبَاحٍ وَلَا نَافِلَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يُبَادِرُ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا عِلْمٍ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُعَلِّمْهُ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَرُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَسَنُ إذَا مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيَعْصِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوَتْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا سَأَلَاهُ تَرْكَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَيَاهُ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ يُصَلِّي قَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَ: فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــSالْحَقِّ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ الَّذِي امْتَازُوا بِهِ عَنْ الْأَجَانِبِ إلَى تَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ) قُلْتُ: أَكْثَرُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ كَلَامٍ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ: فَإِنَّهُ لَيْسَتْ كُنْيَتُهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَإِنَّمَا كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ.

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِيِّ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ قِسْمَانِ: مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: مَطْلُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُ مَطْلُوبٍ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْمَطْلُوبِ كَالْمُبَاحِ فَلَا يُنْوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِهِ التَّقَوِّي عَلَى مَطْلُوبٍ كَمَا يُقْصَدُ بِالنَّوْمِ التَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ.

وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ فَقِسْمَانِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّوَاهِي وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ شَرْعًا بَلْ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ عُهْدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِتَرْكِهَا وَجْهَ اللَّهِ الْعَظِيمِ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً وَالْقِسْمُ الثَّانِي الْأَوَامِرُ، وَهِيَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ بِقَصْدِ مُجَرَّدِ الْأَدَاءِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ وَفِي خُرُوجِ الْمُكَلَّفِ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ بَعْدُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ عُرِّيَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَدَاءِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُثَابَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إذْ يَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ كَوْنُهُ قَصَدَ مُجَرَّدَ الْأَدَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ سِعَةُ بَابِ الثَّوَابِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ وَالْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى نِيَّةِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَائِهِ كَالْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَالتَّعْظِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ صَنَعْت ضِيَافَةً لِإِنْسَانٍ فَأَكَلَهَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِكَ لَكُنْت مُعَظِّمًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِسَبَبِ قَصْدِك فَمَا لَا قَصْدَ فِيهِ وَلَا تَعْظِيمَ فِيهِ فَكُلُّ عِبَادَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ضَابِطُ مَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَضَابِطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِمَّا تُمْكِنُ فِيهِ اُنْظُرْ كِتَابَ الْأَمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ لِلْأَصْلِ.

2 -

(وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مُتَعَلِّقُ النِّيَّةِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ إيقَاعُنَا الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ أَوْ نَفْلٌ وَهِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَأُمِرْنَا بِأَنْ نَنْوِيَهُ لَا أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْفَرْضِيَّةُ أَوْ النَّفْلِيَّةُ بِأَنْ نَقْصِدَ جَعْلَ الْفَرْضِ فَرْضًا وَالنَّفَلِ نَفْلًا إذْ لَيْسَ لَنَا ذَلِكَ وَلَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَنْوِيَهُ بَلْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَا بِحُكْمِ التَّبَعِ لِلْمُكْتَسَبِ لَنَا وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015