فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قِيلَ لَهُ: مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَوْفَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ الْقُبْلَةَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ.

(سُؤَالٌ) مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً وَمَا عَدَدُ التَّكْرَارِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ تَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ جَوَابُهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِفَاعِلِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الصَّغِيرَةِ فَمَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ.

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيلَ لَهُ: مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ) قُلْتُ: أَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا حَصْرُ الْكَبَائِرِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَمَرَ فِي الثَّانِي بِاجْتِنَابِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الشِّرْكَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ كَبَائِرُ لِذِكْرِهَا مَعَ الشِّرْكِ وَتَشْرِيكِهَا مَعَهُ فِي كَوْنِهَا مُوبِقَةً وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ فَهُوَ رَأْيٌ رَآهُ وَإِنَّهُ لَيَظْهَرُ صَوَابُهُ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ النِّزَاعُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ.

قَالَ: (وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جَعَلَ الْقُبْلَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا) قُلْتُ: إذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ: فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدْلِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ.

قَالَ: (سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: صَحِيحٌ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ) قُلْتُ: قَوْلُهُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ مَتَى تَكَرَّرَتْ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الْوُثُوقِ مِمَّنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَفِعْلُ هَذَا مَعْصِيَةٌ لَاحِقَةٌ بِسَائِرِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَاتِهِ فَإِنَّا نُلْغِي مَنْعَ الْكُفْرِ مِنْ الْإِرْثِ وَنُوَرِّثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ نُرَتِّبَ الْحُكْمَ وَلَا نُرَتِّبَهُ.

وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فَبَطَلَ اعْتِقَادُ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَوَجَبَ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ مَحَلُّ مُرَاعَاةِ قَاعِدَةِ إلْغَاءِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ إجْمَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ إذَا لَمْ تَتَعَذَّرْ مُرَاعَاتُهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَذَلِكَ كَمَا فِي فَرْعِ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الطَّهَارَةِ أَوْجَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ كَالطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَاءَةُ لِلذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ إجْمَاعًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا بِسَبَبِ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ وَجَعَلْنَاهَا سَبَبًا مُبَرِّئًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ إلْغَاءِ كُلِّ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدَثَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا مَشْكُوكًا فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا فَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِمُخَالَفَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا يُسَاعِدُ عَلَى إعْمَالِهَا وَاعْتِبَارِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمَالِكٌ خَالَفَهَا فِي الْحَدَثِ الرَّافِعِ لِلطَّهَارَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الْمُخَالَفَةُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ.

وَكَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ وَالصَّلَاةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ كَانَتْ الْعِنَايَةُ بِالصَّلَاةِ وَإِلْغَاءُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِلْغَاءِ الْحَدَثِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ الرَّافِعِ لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَذَا الْفَرْعِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاتِهَا فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي أَيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015