وَتَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالذَّاتِ فَهَذَا كَافِرٌ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ بِالْكُفْرِ لَيْسَ إلَّا، كَذَلِكَ هَذَا الدَّاعِي إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ هَذَا الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ رَبَّهُ لَا أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ وَيَقَعَ الْكُفْرُ تَبَعًا لِمَقْصُودِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ.
نَعَمْ قَدْ لَا يَكُونُ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَابَلَ عَلَيْهَا بِهَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ فَيَكُونُ عَاصِيًا بِجِنَايَتِهِ عَلَى الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ لَا كَافِرًا فَهَذَا تَفْصِيلُ حَالِ هَذَا الدُّعَاءِ، وَقَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ فَأَفْتَوْا بِالتَّكْفِيرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
(الْقِسْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مَا اسْتَفَادَ التَّحْرِيمُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ بِهِ لِكَوْنِهِ طَلَبًا لِوُقُوعِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْوُجُودِ أَمَّا الدَّاعِي فَكَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَمِتْهُ كَافِرًا أَوْ اسْقِهِ خَمْرًا أَوْ أَعْنِهِ عَلَى الْمَكْسِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ يَسِّرْ لَهُ الْوِلَايَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ يَطْلُبُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ أَمَّا لِعَدُوِّهِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْ فُلَانًا عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَأْخُذُ مَالَهُ، وَأَمَّا لِصَدِيقِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَهُ الْوِلَايَةَ الْفُلَانِيَّةَ أَوْ السَّفَرَ الْفُلَانِيَّ أَوْ صُحْبَةَ الْوَزِيرِ فُلَانٍ أَوْ الْمَلِكِ فُلَانٍ، وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَجَمِيعُ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ مَنْزِلَةُ مُتَعَلِّقِهِ، فَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ أَقْبَحُ الدُّعَاءِ وَيُرْوَى مَنْ دَعَا لِفَاسِقٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى وَمَحَبَّةُ مَعْصِيَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSرُبَّمَا أَدَّتْ إلَى أَنْ تَكُونَ قَاتِلًا. قَالَ (وَتَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالذَّاتِ فَهَذَا كَافِرٌ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْكُفْرِ لَيْسَ إلَّا) قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بَلْ إذَا أَرَادَ كُفْرَ غَيْرِهِ بِقَصْدِ إضْرَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ إرَادَتُهُ كُفْرَ الْغَيْرِ بِقَصْدِ نَفْعِهِ لِرُجْحَانِ الْكُفْرِ عِنْدَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَهَذَا كُفْرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (كَذَلِكَ هَذَا الدَّاعِي إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ هَذَا الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ رَبُّهُ لَا أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ وَيَقَعَ الْكُفْرُ تَبَعًا لِمَقْصُودِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ. قَالَ (فَهَذَا تَفْصِيلُ حَالِ هَذَا الدُّعَاءِ، وَقَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ فَأَفْتَوْا بِالتَّكْفِيرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَلَا إذَا دَعَا بِالْكُفْرِ وَلَا بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ
[الْقِسْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مَا اسْتَفَادَ التَّحْرِيمُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ بِهِ]
وَمَا قَالَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَشَرَ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَهُوَ فِي آخِرِ الْفُرُوقِ وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى كِتَابِ أَنْوَارِ الْبُرُوقِ بِمَا وَفَّقَ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَعَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ وَكُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. اهـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQكُفْرٌ وَلَا حُلُولَ وَلَا اتِّحَادَ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْ أَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَا يُوهِمُ ذَلِكَ أُوِّلَ بِمَا يُنَاسِبُهُ كَمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي وَحْدَةِ الْوُجُودِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ مَا فِي الْجُبَّةِ إلَّا اللَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَا فِي الْجُبَّةِ وَالْكَوْنِ كُلِّهِ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِاَللَّهِ {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وَذَلِكَ اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ شَرْعًا لِإِيهَامِهِ لَكِنَّ الْقَوْمَ تَارَةً تَغْلِبُهُمْ الْأَحْوَالُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ ضَعِيفٌ إلَّا مَنْ تَمَكَّنَ بِإِقَامَةِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ، وَرَأَيْت فِي مَفَاتِيحِ الْكُنُوزِ أَنَّ الْحَلَّاجَ قَالَ أَنَا وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مَا مِنْ شُعُورِهِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ فَنِيَ بِشُهُودِهِ فَقَالَ اللَّهُ فَهُمَا كَلِمَتَانِ فِي مَقَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكِنْ مِمَّنْ أَفْتَى بِقَتْلِهِ الْجُنَيْدُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكُبْرَى عَمَلًا بِظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي هُوَ أَمْرُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَقَامُ الْعَظِيمُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ وَالْوُجْدَانُ يَخْتَلِفَ بِحَسَبِ مَا يُرِيدُ الْحَقُّ وَرَأَيْت وَأَظُنُّهُ فِي كَلَامِ ابْنِ وَفَا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ إشَارَاتِ وَحْدَةِ الْوُجُودِ قَوْله تَعَالَى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54] وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إلَخْ وَمِنْ أَلْطَفِ إشَارَاتِهِ قَوْلُ أَبِي مَدِينٍ التِّلْمِسَانِيِّ
اللَّهَ قُلْ وَذْرِ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى ... إنْ كُنْت مُرْتَادًا بُلُوغَ كَمَالِ
فَالْكُلُّ دُونَ اللَّهِ إنْ حَقَّقْتَهُ ... عَدَمٌ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّك وَالْعَوَالِمَ كُلَّهَا ... لَوْلَاهُ فِي مَحْوٍ وَفِي اضْمِحْلَالِ
مَنْ لَا وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ ... فَوُجُودُهُ لَوْلَاهُ عَيْنُ مُحَالِ
وَالْعَارِفُونَ فَنَوْا بِهِ لَمْ يَشْهَدُوا ... شَيْئًا سِوَى الْمُتَكَبِّرِ الْمُتَعَالِي
وَرَأَوْا سِوَاهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هَالِكًا ... فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي وَالِاسْتِقْبَالِ
اهـ بِلَفْظِهَا قُلْت وَمِمَّا هُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ الْمُرْسَلَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ الْوُجُودَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ إحَاطَةَ الْمَلْزُومِ بِاللَّوَازِمِ وَالْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ لَا كَإِحَاطَةِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ وَلَا كَإِحَاطَةِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا اهـ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ وَمِمَّا هُوَ جَارٍ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ بَلْ أَقْبَحُ مِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ مَكَانَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ بِذَاتِهِ لَا بِصِفَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَاتَه تَعَالَى الَّتِي هِيَ مَكَانُهُ مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ إحَاطَةَ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ أَوْ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي مُوهِمِ مَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ قَوَاعِدَ:
(الْأُولَى) أَنْ كُلَّ مَا وَرَدَ الْإِذْنُ بِإِطْلَاقِهِ نَفْسِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ كَاسْتِئْنَافِ الْقُدْرَةِ أَوْ الْإِرَادَةِ فِي الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى مَعَ حَمْلِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ اسْتِحَالَةِ مَعْنَاهُ.
(وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ الْإِذْنُ بِنَظِيرِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَمْ يُرِدْ