وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ إنْ نَسِينَا أَيْ تَرَكْنَاهُ مَعَ مُتَعَمِّدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْعَفْوَ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ أَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ غَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَأْسَ عَلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْغَافِلِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ غَافِلٍ، فَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِطَلَبِ ذَلِكَ الْمُتَعَذِّرِ بِعَيْنِهِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لِلْعِوَضِ كَمَا إذَا طَلَبَ غَيْرَ الْمُتَعَذِّرِ وَكَانَ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ جَزَاءٌ لَهُ عَلَى لَجْئِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالِهِ إلَى عَظِيمِ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِلتَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ أَوْ التَّعْجِيزِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَاهُنَا يَكُونُ عَاصِيًا بِسَبَبِ قَصْدِهِ ذَلِكَ لَا بِمُجَرَّدِ دُعَائِهِ بِالْمُتَعَذِّرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّهَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ) قُلْت إنَّمَا ذَلِكَ الْإِنْكَارُ مَبْنِيٌّ عَلَى سُوءِ أَحْوَالِهِ بِهِ وَكَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبَقِ ذَلِكَ إلَى نَفْسِ السَّامِعِ لِذَلِكَ الدُّعَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبْقِ الظَّنِّ السَّيْءِ بِذَلِكَ الدَّاعِي أَنْ تَكُونَ حَالُهُ فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ بَلْ إنْ كَانَتْ حَالُهُ فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ كَانَ عَاصِيًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ إنْ نَسِينَا أَيْ تَرَكْنَاهُ مَعَ التَّعَمُّدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا صَحِيحٌ.
قَالَ (أَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ الْغَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ) .
قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ النِّسْيَانُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ فِيهِ أَوْ مِمَّا لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ طَلَبُ الْعَفْوِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَلَا شَكَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّائِينَ بَلْ لَا جَرَمَ يَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِيهِ مَعَ ضَوَابِطِهِ وَقَرَائِنِهِ إلَى قُوَّةٍ مِنْ قُوَّةِ النُّفُوسِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْفِرَاسَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ بِحَيْثُ إذَا تَوَجَّهَ الْحَزْرُ إلَى شَيْءٍ لَا يَكَادُ يُخْطِئُ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ الْقُوَّةِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَقْرِيبِ الْغَيْبِ أَوْ تَحْقِيقِهِ كَمَا قِيلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْغَيْبِ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ إشَارَةً إلَى قُوَّةٍ أَوْدَعَهُ اللَّهُ إيَّاهَا فَرَأَى بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّفَاءِ وَالشُّفُوفِ وَالرِّقَّةِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ عُلُومِ الْغَيْبِ مِنْ عِلْمِ تَعْبِيرِ الْمَنَامَاتِ وَحِسَابِ عِلْمِ الرَّمْلِ وَالْكَتْفِ الَّذِي لِلْغَنَمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَهَبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عِلْمِ الْمَنَامَاتِ فَقَطْ، أَوْ بِحِسَابِ عِلْمِ الرَّمْلِ فَقَطْ أَوْ الْكَتْفِ الَّذِي لِلْغَنَمِ فَقَطْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَالنُّطْقِ فِي غَيْرِهِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فِي هَذَا النَّوْعِ صَالِحَةٍ لِعِلْمِ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا، وَلَا يَكَادُ يُصِيبُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عِلْمِ التَّعْبِيرِ فِي الرُّؤْيَا.
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِتَعْبِيرِهِ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَطْمَعَ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَك بِالتَّعَلُّمِ وَالْقِرَاءَةِ وَحِفْظِ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّك إذَا لَمْ تَكُنْ لَك قُوَّةُ نَفْسٍ فَلَا تَجِدُ ذَلِكَ أَبَدًا وَمَتَى كَانَتْ لَك هَذِهِ الْقُوَّةُ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَيْسَرِ سَعْيٍ وَأَدْنَى ضَبْطٍ فَاعْلَمْ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ فَقَدْ خَفِيَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت مِمَّنْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ مَعَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ فِي الْمَنَامِ اللَّطِيفِ، وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ وَالْأَحْوَالَ الْمُتَبَايِنَةَ، وَيُخْبِرُ فِيهِ عَنْ الْمَاضِيَاتِ وَالْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات، وَيَنْتَهِي فِي الْمَنَامِ الْيَسِيرِ إلَى نَحْوِ الْمِائَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ حَتَّى يَقُولَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِأَحْوَالِ قُوَى النُّفُوسِ: إنَّ هَذَا مِنْ الْجَانِّ أَوْ الْمُكَاشَفَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ نَفْسٌ يَجِدُ بِسَبَبِهَا تِلْكَ الْأَحْوَالَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ لِلْمَنَامِ وَلَيْسَ هُوَ صَلَاحًا، وَلَا كَشْفًا وَلَا مِنْ قِبَلِ الْجَانِّ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت أَنَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ جَمَاعَةً وَاخْتَبَرْتُهُمْ فَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ عَسُرَ عَلَيْهِ تَعَاطِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ اهـ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبَاحُ فِي عِشْرَةِ النَّاسِ مِنْ الْمُكَارَمَةِ وَقَاعِدَةِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ)
وَهُوَ أَنَّ مَا يُبَاحُ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ قِسْمَانِ مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ وَمَا لَمْ تَرِدْ بِهِ نُصُوصُهَا، وَلَا كَانَ فِي السَّلَفِ وَلَكِنْ تَجَدَّدَتْ فِي حَصْرِنَا أَسْبَابُ اعْتِبَارِهِ بِمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا