الصَّلَاةِ إلَّا الزَّوَالَ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ التَّقْلِيدِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ وَاجِبَةٌ يَكُونُ مَا تُعْرَفُ بِهِ الْأَوْقَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَيَكُونُ مَوْطِنُ الِاسْتِحْبَابِ هُوَ مَا يُعِينُ عَلَى الْأَسْفَارِ، وَيُخْرِجُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي إلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَوَقْتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَكْرُوهٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ مُفِيدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْكُسُوفَاتِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي شَيْئًا، وَيُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ بِالْحِسَابِ فَيُزْجَرُ عَنْ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ، وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ قَالَ: وَأَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ الْمُنَجِّمُ مِنْ الْغَيْبِ مِنْ نُزُولِ الْأَمْطَارِ وَغَيْرِهِ فَقِيلَ: ذَلِكَ كُفْرٌ يُقْتَلُ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» وَقِيلَ: يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقِيلَ: يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ، وَلَيْسَ اخْتِلَافًا فِي قَوْلٍ بَلْ اخْتِلَافٌ فِي حَالٍ، فَإِنْ قَالَ: إنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَقِلَّةٌ بِالتَّأْثِيرِ قُتِلَ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ إنْ كَانَ يَسُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَإِنْ أَظْهَرَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْفَاعِلُ عِنْدَهَا زُجِرَ عَنْ الِاعْتِقَادِ الْكَاذِبِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ تَصْدِيقُهُ قَالَ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيمَا يُصِيبُونَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْغَالِبِ نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» فَهَذَا تَلْخِيصُ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ وَيَحْرُمُ مِنْ تَعَلُّمِ أَحْكَامِ النُّجُومِ
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ)
اعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ حُكْمٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَلَبٌ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (شِهَابُ الدِّينِ الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْن قَاعِدَةِ مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ. اعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ طَلَبٌ صَحِيحٌ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ عَقْلًا وَلَا مُمْتَنِعٍ فَإِنْ مَنَعَهُ الشَّرْعُ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ بِتَرْكِ تَعْذِيبِ الْكَافِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدٍ فِيهِ الْوَبَاءُ اهـ كَمَا حَصَلَ الْعَزِيزِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خُصُوصِ سَبَبِهِ فَقَالَ قَالَهُ لِمَنْ اُسْتُشْهِدَ عَلَى الْعَدْوَى بِإِعْدَاءِ الْبَعِيرِ الْأَجْرَبِ لِلْإِبِلِ، وَهُوَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُسْكِتَةِ؛ إذْ لَوْ جَلَبَتْ الْأَدْوَاءُ بَعْضَهَا بَعْضًا لَزِمَ فَقْدُ الدَّاءِ الْأَوَّلِ لِفَقْدِ الْجَالِبِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الثَّانِي، وَهُوَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْخَالِقُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ اهـ وَذَلِكَ الْبَعْضُ هُوَ مَا لَمْ تَتَمَحَّضْ، وَلَمْ تَجْرِ لَا بِطَرِيقِ الِاطِّرَادِ وَلَا الْغَلَبَةِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ كَالْجَرَبِ بِخِلَافِ مَا كَانَتْ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ اضْطِرَارِيَّةً، أَوْ أَكْثَرِيَّةً كَالْجُذَامِ، فَإِنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ، وَإِذَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ حَرُمَ اعْتِقَادُهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّطَيُّرِ وَقَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ، وَمَا يَحْرُمُ مِنْهُمَا وَلَا يَحْرُمُ)
وَذَلِكَ أَنَّ التَّطَيُّرَ هُوَ الظَّنُّ السَّيِّئُ الْكَائِنُ فِي الْقَلْبِ وَالطِّيَرَةُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا الظَّنِّ مِنْ قَرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَكُونُ الْخَوْفُ مِنْهَا الْمُرَتَّبُ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ الْكَائِنِ فِي الْقَلْبِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
(الْأَوَّلُ) : مَا جَرَتْ الْعَادَةُ الثَّابِتَةُ بِاطِّرَادٍ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ كَالسَّمُومِ وَالسِّبَاعِ وَالْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ وَالْجُذَامِ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ وَالتُّخْمِ وَأَكْلِ الْأَغْذِيَةِ الثَّقِيلَةِ الْمُنَفِّخَةِ عِنْدَ ضُعَفَاءِ الْمَعِدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْخَوْفُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَنْ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ فِي مَجَارِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ حَرَامًا، فَإِنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ كَمَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَاءَ مُرُورٌ، وَالْخُبْزَ مُشْبِعٌ وَالنَّارَ مُحْرِقَةٌ وَقَطْعَ الرَّأْسِ مُمِيتٌ وَمَنْعَ النَّفْسِ مُمِيتٌ وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ كَانَ خَارِجًا عَنْ نَمَطِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا سَبَبُهُ إلَّا جَرَيَانُ الْعَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ بِاطِّرَادٍ
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) : مَا كَانَ جَرَيَانُ الْعَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ فِي حُصُولِ أَمْرٍ أَكْثَرِيًّا لَا اطِّرَادِيًّا كَكَوْنِ الْمَجْمُودَةِ مُسَهِّلَةً وَالْآسِ قَابِضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ فَالِاعْتِقَادُ وَكَذَا الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَّرِدًا لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ هُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ لِأَكْثَرِيَّتِهِ؛ إذْ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ فَهُوَ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ قُلْت: وَعَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تُحْمَلُ جُمْلَةُ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» وَمِنْهَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ السَّبْتِ فَرَأَى فِي جَسَدِهِ وَضَحًا أَيْ بَرَصًا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) : مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ أَصْلًا فِي حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ كَشَقِّ الْأَغْنَامِ وَالْعُبُورِ بَيْنَهَا يَخَافُ لِذَلِكَ أَنْ لَا تُقْضَى حَاجَتُهُ وَنَحْوُ هَذَا مِنْ هَذَيَانِ الْعَوَامّ