بِاعْتِبَارِ الْمَنَامَاتِ فَقَطْ أَوْ بِحِسَابِ عِلْمِ الرَّمْلِ فَقَطْ أَوْ الْكَتْفِ الَّذِي لِلْغَنَمِ فَقَطْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَتِحُ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَالنُّطْقِ فِي غَيْرِهِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فِي هَذَا النَّوْعِ صَالِحَةٍ لِعِلْمِ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا، وَلَا يَكَادُ يُصِيبُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عِلْمِ التَّعْبِيرِ فِي الرُّؤْيَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِتَعْبِيرِهِ وَقَدْ رَأَيْت مِمَّنْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ مَعَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ فِي الْمَنَامِ اللَّطِيفِ وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ وَالْأَحْوَالَ الْمُتَبَايِنَةَ وَيُخْبِرُ فِيهِ عَنْ الْمَاضِيَاتِ وَالْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات وَيَنْتَهِي فِي الْمَنَامِ الْيَسِيرِ إلَى نَحْوِ الْمِائَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ حَتَّى يَقُولَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِأَحْوَالِ قُوَى النُّفُوسِ: إنَّ هَذَا مِنْ الْجَانِّ أَوْ الْمُكَاشَفَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ قُوَّةُ نَفْسٍ يَجِدُ بِسَبَبِهَا تِلْكَ الْأَحْوَالَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ لِلْمَنَامِ، وَلَيْسَ هُوَ صَلَاحٌ، وَلَا كَشْفٌ، وَلَا مِنْ قِبَلِ الْجَانِّ وَقَدْ رَأَيْت أَنَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ جَمَاعَةً وَاخْتَبَرْتُهُمْ فَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ عَسُرَ عَلَيْهِ تَعَاطِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَطْمَعَ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَك بِالتَّعَلُّمِ وَالْقِرَاءَةِ وَحِفْظِ الْكُتُبِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَك قُوَّةُ نَفْسٍ فَلَا تَجِدُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَمَتَى كَانَتْ لَك هَذِهِ الْقُوَّةُ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَيْسَرِ سَعْيٍ وَأَدْنَى ضَبْطٍ فَاعْلَمْ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ فَقَدْ خَفِيَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبَاحُ فِي عِشْرَةِ النَّاسِ مِنْ الْمُكَارَمَةِ وَقَاعِدَةِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُبَاحُ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ قِسْمَانِ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) : مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ مِنْ إفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالِاسْتِئْذَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَأَنْ لَا يَجْلِسَ عَلَى تَكْرِمَةِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَا يَؤُمَّ فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ أَحَدًا فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَمْ يَرِدْ فِي النُّصُوصِ وَلَا كَانَ فِي السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ أَسْبَابُ اعْتِبَارِهِ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ وَتَجَدَّدَتْ فِي عَصْرِنَا فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ لِتَجَدُّدِ أَسْبَابِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ مُسْتَأْنَفٌ بَلْ عُلِمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ لَوْ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْمُسَبِّبَاتُ مِنْ فِعْلِهِمْ وَصُنْعِهِمْ وَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِتَأَخُّرِ سَبَبِهِ وَوُقُوعُهُ عِنْدَ وُقُوعِ سَبَبِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَجْدِيدَ شَرْعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَرَدَةِ، وَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّمَ لِقَتْلِ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَمَوْتِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَرَمْيِ عَائِشَةَ بِمَا رُمِيَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ وَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ، وَتَتَوَجَّعُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ، وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ وَإِذَا كَانَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيَّاتِ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي طَبَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فَغَيْرُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَقُّ تَفْسِيرُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بِمَا قُلْنَا لَا بِمَا قَالُوا، وَهُوَ بِتَفْسِيرِنَا مُتَيَسِّرٌ عَلَى أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَبِتَفْسِيرِهِمْ لَا طَمَعَ فِيهِ فَهُوَ غَلَطٌ هَذَا تَهْذِيبُ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ)
كَوْنُ الْمَقْضِيِّ يَكُونُ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَلَا يَجِبُ الرِّضَا بِهِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ كَسْبِنَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ خَلْقِ اللَّهِ إيَّاهُ فَحَسَنٌ يَجِبُ الرِّضَا بِهِ؛ إذْ كُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَضْلٌ أَوْ عَدْلٌ فِي عَبِيدِهِ وَلِسَيِّدِي مُحَمَّدِ وَفَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
سَمِعْت اللَّهَ فِي سِرِّي يَقُولُ ... أَنَا فِي الْمُلْكِ وَحْدِي لَا أَزُولُ
وَحَيْثُ الْكُلُّ مِنِّي لَا قَبِيحُ ... وَقُبْحُ الْقُبْحِ مِنْ حَيْثِيّ جَمِيلُ
وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ جِهَتَانِ كَوْنُهُ مَقْضِيًّا لَهُ - تَعَالَى - وَكَوْنُهُ مُكْتَسَبًا لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الرِّضَا بِالْقَدَرِ أَيْ مَا يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُقَدَّرِ فِي الْأَزَلِ.
وَهُوَ الْمَقْدُورُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ» وَأَمَّا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] فَوَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ أَيْ كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ رُوِيَ لِأَصْبَغَ بْنِ نَبَاتَةَ أَنَّ شَيْخًا قَامَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ صِفِّينَ فَقَالَ أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إلَى الشَّامِ أَكَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدَرِهِ فَقَالَ: وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا وَطِئْنَا مَوْطِئًا، وَلَا هَبَطْنَا وَادِيًا، وَلَا عَلَوْنَا تَلْعَةً إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: عِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي مَا أَرَى لِي مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ: مَهْ أَيُّهَا الشَّيْخُ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ فِي مَسِيرِكُمْ، وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ. وَلَا إلَيْهَا مُضْطَرِّينَ فَقَالَ الشَّيْخُ: كَيْفَ وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ سَاقَانَا فَقَالَ: وَيْحَك لَعَلَّك ظَنَنْت قَضَاءً لَازِمًا وَقَدَرًا حَتْمًا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَلَمْ