لقد اعتنى كثير من علماء المسلمين بهذا النوع وأفردوه بالبحث والتأليف، وذلك لما له من أهمية بالغة في إيضاح الفروق الدقيقة بين الكثير من المسائل التي تتشابه صورها وتختلف أحكامها وأسبابها وعللها.
وقارئ أي كتاب من كتب الفروق عند قراءته لأي فصل من فصولها يبرز له فروق دقيقة لم تكن في علمه، ولربما كان يعلم ذلك بصفة عامة من خلال قراءته للكتب الفقهية الأخرى إلا أنها تظهر في كتب الفروق بمظهر أدق وكأنها جديدة على القارئ وكتب الفروق تزيل كثيرًا من الشبه، وتجلوا ما في الفكر من الصدأ، وتصقل الذهن، وتوجد في القارئ الدقة في النظر للأحكام عند التمييز بينهما.
ويعيش القارئ جوا لم يكن يعهده في الكتب الفقهية الأخرى، فقد يمضي عليه ساعات طويلة في القراءة إلا أنه يستقصرها لما يجد من اللذة وحب الاستزادة، ولقد أحس بذلك كثير من علمائنا الأفاضل فبذلوا ما في وسعهم في التأليف في هذا النوع وأول من رأيت أنه ألف فيه أحمد بن سريج الشافعي المولود عام 249 هـ والمتوفى عام 306 هـ، والحق أن هؤلاء العلماء خلفوا لنا تراثًا علميًّا وثروة فقهية ضخمة مبنية على أسس متينة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثروة تغنينا عن غيرها من الثروات الزائفة من قوانين بشرية وغيرها مما بني على أسس واهية.
إذًا حق لهذا النوع من التأليف أن يبرز وحق له أن يقرأ ويستفاد منه.