(وَمَا جَاءَنَا من نَحْو أَرْضك خابر ... وَلَا جَاهِل إِلَّا يذمك يَا عَمْرو)
أَن قَوْلنَا فلَان يحسن كَذَا يمعنى يُعلمهُ مجَازًا واصله فِي مَا يَأْتِي الْفِعْل الْحسن أَلا ترى أَنه لَا يَجِيء لَهُ مصدر إِذا كَانَ بِمَعْنى الْعلم الْبَتَّةَ فقولنا فلَان يحسن الْكِتَابَة مَعْنَاهُ أَنه يَأْتِي بهَا حَسَنَة من غير توفق واحتباس ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى صَار كَأَنَّهُ الْعلم وَلَيْسَ بِهِ
أَن الرُّؤْيَة لَا تكون إِلَّا الْمَوْجُود وَالْعلم يتَنَاوَل الْمَوْجُود والمعدوم وكل رُؤْيَة لم يعرض مَعهَا آفَة فالمرئي بهَا مَعْلُوم ضَرُورَة وكل رُؤْيَة فَهِيَ لمحدود أَو قَائِم فِي مَحْدُود كَمَا أَن كل إحساس من طَرِيق اللَّمْس فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون لمحدود أَو قَائِم فِي مَحْدُود والرؤية فِي اللُّغَة على ثَلَاثَة أوجه أَحدهمَا الْعلم وَهُوَ قَوْله تَعَالَى (ونراه قَرِيبا) أَي نعلمهُ يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ أَن كل آتٍ قريب وَالْآخر بِمَعْنى الظَّن وَهُوَ قَوْله
تَعَالَى (إِنَّهُم يرونه بَعيدا) أَي يَظُنُّونَهُ وَلَا يكون ذلك بِمَعْنى الْعلم لأنه لَا يجوز أَن يَكُونُوا عَالمين بِأَنَّهَا بعيدَة وَهِي قريبَة فِي علم الله وَاسْتِعْمَال الرُّؤْيَة فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ مجَاز وَالثَّالِث رُؤْيَة الْعين وَهِي حَقِيقَة
أَن أصل الْمُحِيط المطيف بالشَّيْء من حوله بِمَا هُوَ كالسور الدائر عَلَيْهِ يمْنَع أَن يخرج عنه مَا هُوَ مِنْهُ وَيدخل فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَيكون من قبيل الْعلم وقبيل الْقُدْرَة مجَازًا فَقَوله تَعَالَى (وَكَانَ الله بِكُل شَيْء محيطا) يصلح أَن يكون مَعْنَاهُ أَن كل شَيْء فِي مقدروه فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا قبض الْقَابِض عَلَيْهِ فِي إِمْكَان تصريفه وَيصْلح أَن يكون معنان أَنه يعلم بالاشياء من جَمِيع وجوهها وَقَالَ (قد أحَاط بِكُل شَيْء علما) أَي علمه من جمع وجوهه وَقَوله (وأحاط بِمَا لديهم) يجوز فِي الْعلم وَالْقُدْرَة وَقَالَ (قد أحَاط الله بهَا) أَي قد أحَاط بهَا لكم بتمليككم إِيَّاهَا وَقَالَ (قد أحَاط الله بهَا) أَي قد أحَاط بهَا لكم بتمليككم إِيَّاهَا وَقَالَ (وَالله مُحِيط