الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ
الْفرق بَين غَايَة الشَّيْء ومداه ونهايته وَحده وَآخره وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
أَن أصل الْغَايَة الرَّايَة وَسميت نِهَايَة الشَّيْء غَايَته لِأَن كل قوم ينتهون إِلَى غايتهم فِي الْحَرْب أَي رايتهم ثمَّ كثر حَتَّى قيل لكل مَا ينتهى اليه غايه وَلكُل غايه نِهَايَة وَالْأَصْل مَا قُلْنَاهُ ومدى الشَّيْء مَا بَينه وَبَين غَايَته وَالشَّاهِد قَول الشَّاعِر من الطَّوِيل
(وَلم ندر إِن جضنا عَن الْمَوْت جيضة ... كم الْعُمر بَاقٍ والمدى متطاول)
يَعْنِي مدى الْعُمر وَالْمعْنَى أَن الأمل منفسح لما بَينه وَبَين الْمَوْت وَمن ذَلِك قَوْلهم هُوَ مني مدى الْبَصَر أَي هُوَ حَيْثُ يَنَالهُ بَصرِي كَأَن بَصرِي ينفسح بيني وَبَينه ثمَّ كثر حَتَّى قيل للغاية مدى كَمَا يُسمى الشَّيْء باسم مَا يقرب مِنْهُ
أَن الأمد حَقِيقَة والغاية مستعارة على مَا ذكرنَا وَيكون الأمد ظرفا من الزَّمَان وَالْمَكَان فالزمان
قَوْله تَعَالَى (فطال عَلَيْهِم الأمد) وَالْمَكَان قَوْله تَعَالَى (تود لَو أَن بَينهمَا وَبَينه امد بَعيدا)
أَن آخر الشَّيْء خلاف أَوله وهما اسمان وَالنِّهَايَة مصدر مثل الحماية والكفاية إِلَّا أَنه سمي بِهِ مُنْقَطع الشَّيْء فَقيل هُوَ نهايته أَي منتهاه وَخلاف الْمُنْتَهى الْمُبْتَدَأ فَكلما أَن قَوْلك المبتدا يَقْتَضِي ابْتِدَاء فعل من جِهَة اللَّفْظ وَقد انْتهى الشَّيْء إِذا بلغ مبلغا لَا يُزَاد عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَقْتَضِي النعاية منهى إِلَيْهِ وَلَو اقْتضى ذَلِك لم يَصح أَن يُقَال للْعَالم نِهَايَة وَقيل النِّهَايَة مُنْتَهى إِلَيْهِ وَلَو اقْتضى ذَلِك لم يَصح أَن يُقَال لعالم نِهَايَة وَقيل الدَّار الْآخِرَة لِأَن الدُّنْيَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا وَالدُّنْيَا بِمَعْنى الولى وَقيل دَار الاخرة كَمَا قيل مَسْجِد الْجَامِع وَالْمرَاد مَسْجِد الْيَوْم الْجَامِع وَدَار السَّاعَة الْآخِرَة وَأما حق الْيَقِين فَهُوَ كَقَوْلِك مَحْض