الْبَاب السَّابِع وَالْعشْرُونَ
فِي الْفرق بَين الْبَعْث والإرسال والإنفاذ وَبَين النَّبِي وَالرَّسُول وَبَين الطّلب وَالسُّؤَال وَالروم والاقتضاء وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
أَن قَوْلك أرْسلت زيدا إِلَى عَمْرو يَقْتَضِي أَنَّك حَملته رِسَالَة إِلَيْهِ أَو خَبرا وَمَا أشبه ذَلِك والإنفاذ لَا يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنى أَلا ترى أَنه إِن طلب مِنْك إِنْفَاذ زيد إِلَيْهِ فأنفذته إِلَيْهِ قلت أنفذته وَلَا يحسن أَن تَقول أَرْسلتهُ وَإِنَّمَا يسْتَعْمل الْإِرْسَال حَيْثُ يسْتَعْمل الرَّسُول
الْفرق بَين الْبَعْث والإرسال
أَنه يجوز أَن يبْعَث الرجل إِلَى الآخر لحَاجَة تخصه دُونك وَدون الْمَبْعُوث إِلَيْهِ كَالصَّبِيِّ تبعثه إِلَى الْمكتب فَتَقول بعثته وَلَا تَقول أَرْسلتهُ لِأَن الْإِرْسَال لَا يكون إِلَّا برسالة وَمَا يجْرِي مجْراهَا
أَن الانفاذ يكون حملا وَغير حمل والبعث لَا يكون حملا وَيسْتَعْمل فِي مَا يعقل مَا لَا يعقل فَتَقول بعثت فلَانا بكتابي وَلَا يجوز أَن تَقول بعثت كتابي إِلَيْك كَمَا تَقول انفذت كتابي اليك وَتقول أنفذت اليك جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا تَقول فِي ذَلِك بعثت وَلَكِن تَقول بعثت إِلَيْك بِجَمِيعِ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فَيكون الْمَعْنى بعثت فلَانا بذلك
أَن بعث الْخلق اسْم لإخراجهم
من قُبُورهم إِلَى الْموقف وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (من بعثنَا من مرقدنا) والنشور اسْم لظُهُور المبعوثين وَظُهُور أعمارهم لِلْخَلَائِقِ وَمِنْه قَوْلك نشرت اسْمك ونشرت فَضِيلَة فلَان إِلَّا أَنه قيل أنشر الله الْمَوْتَى بِالْألف ونشرت الْفَضِيلَة وَالثَّوْب للْفرق بَين الْمَعْنيين
أَن النَّبِي لَا يكون إِلَّا صَاحب معْجزَة وَقد يكون الرَّسُول رَسُولا لغير الله تَعَالَى فَلَا يكون صَاحب معْجزَة والإنباء عَن الشَّيْء قد يكون من غير تحميل النبأ والإرسال لَا يكون بتحمل والنبوة يغلب عَلَيْهَا الأضافة الى النَّبِي فَيُقَال نبوة النَّبِي لِأَنَّهُ يسْتَحق مِنْهَا الصّفة الَّتِي هِيَ على طَرِيقه الْفَاعِل والرسالة تُضَاف إِلَى الله لِأَنَّهُ الْمُرْسل بهَا وَلِهَذَا قَالَ برسالاتي وَلم يقل بنبوتي والرسالة جملَة من الْبَيَان يحملهَا القائمت بهَا ليؤديها إِلَى غَيره والنبوة تَكْلِيف الْقيام بالرسالة فَيجوز إبلاغ الرسالات وَلَا يجوز إبلاغ النبوات
أَن الْمُرْسل يَقْتَضِي إِطْلَاق غَيره لَهُ وَالرَّسُول يَقْتَضِي إِطْلَاق لِسَانه بالرسالة
الْفرق بَين الطّلب والمحارلة
أَن المحاولة الطّلب بالحيلة ثمَّ سمي لَك طلب التماسا مجَازًا
أَن الْبَحْث هُوَ طلب الشَّيْء مِمَّا
يخالطه فأصله أَن يبْحَث التُّرَاب عَن شَيْء يَطْلُبهُ فالطلب يكون لذَلِك وَلغيره وَقيل فلَان يبْحَث عَن الْأُمُور تَشْبِيها بِمن يبْحَث التُّرَاب لاستخراج الشَّيْء
أَن الِاقْتِضَاء على وَجْهَيْن أَحدهمَا اقْتِضَاء الدّين وَهُوَ طلب أَدَائِهِ وَالْآخر مُطَالبَة الْمَعْنى لغيره كَأَنَّهُ نَاطِق با , هـ لَا بُد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه مِنْهَا الِاقْتِضَاء لوُجُود الْمَعْنى كاقتضاء الشُّكْر من حَكِيم لوُجُود النِّعْمَة وكاقتضاء وجود النِّعْمَة ولصحة الشُّكْر وكاقتضاء وجود مثل آخر وَلَيْسَ كالضد الَّذِي لَا يحْتَمل ذَلِك وكاقتضاء الْقَادِر الْمَقْدُور والمقدور الْقَادِر وكاقتضاء وجود الْحَرَكَة للمحل من غير أَن يَقْتَضِي وجود الْمحل وجود الْحَرَكَة لِأَنَّهُ قد يكون فِيهِ السّكُون واقتضاء الشَّيْء لغيره قد يكون بِجعْل جَاعل وَبِغير جعل وَذَلِكَ نَحْو ضرب يَقْتَضِي ذكر ذَلِك الضَّارِب بعده بِوَضْع وَاضع اللُّغَة لَهُ على هَذِه الْجِهَة وَضرب لَا يَقْتَضِي ذَلِك وَكِلَاهُمَا يدل عَلَيْهِ
أَن الرّوم على مَا قَالَ عَليّ بن عِيسَى طلب الشَّيْء ابْتِدَاء وَلَا يُقَال رمت إِلَّا لما تَجدهُ قبل وَيُقَال طلبت فِي الْأَمريْنِ وَلِهَذَا لَا يُقَال رمت الطَّعَام وَالْمَاء وَقيل لَا يسْتَعْمل الرّوم فِي الْحَيَوَان