الْبَاب السادس وَالْعشْرُونَ
فِي الْفرق بَين النَّاس والخلق والعالم والبشر والورى والأنام وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك وَالْفرق بَين الْجَمَاعَات وضروب الْقرَابَات وَبَين الصُّحْبَة والقرابة وَمَا بسبيل ذَلِك
الْفرق بَين النَّاس والخلق
أَن النَّاس هم الْإِنْس خَاصَّة وهم جمَاعَة لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَأَصله عِنْدهم أنَاس فَلَمَّا سكنت الْهمزَة أدعمت اللَّام كَمَا قيل لَكنا وَأَصله لَكِن أَنا وَقيل النَّاس لُغَة مُفْردَة فاشتقاقه من النوس وَهُوَ الْحَرَكَة نَاس ينوس نوسا إِذا تحرّك والأناس لُغَة أُخْرَى وَلَو كَانَ أصل النَّاس أُنَاسًا لقيل فِي التصغير أنيس وَإِنَّمَا يُقَال نويس فاشتقاق أنَاس من الْأنس خلاف الوحشة وَذَلِكَ أَن بَعضهم يأنس بِبَعْض والخلق مصدر سمي بِهِ الْمَخْلُوقَات وَالشَّاهِد قَوْله عزوجل (خلق السَّمَوَات بِغَيْر عمد ترونها) ثمَّ عدد الْأَشْيَاء من الجماد والنبات والحيوات ثمَّ قَالَ (هَذَا خلق الله) وَقد يخْتَص بِهِ النَّاس فَيُقَال لَيْسَ فِي الْخلق مثله كَمَا تَقول لَيْسَ فِي النَّاس وَقد يجْرِي على الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة فَيُقَال جَاءَنِي خلق من النَّاس أَي جمَاعَة كَثِيرَة
أَن الْإِنْسِي يَقْتَضِي مخالغة الوحشي وَيدل على هَذَا أصل الْكَلِمَة وَهُوَ الْأنس وَهُوَ الْأنس خلاف الوحشة وَالنَّاس يَقُولُونَ إنسي وَوَحْشِي وَأما قَوْلهم إنسي وَوَحْشِي وَالْإِنْس وَالْجِنّ أجْرى فِي هَذَا مجْرى الْوَحْش فَاسْتعْمل فِي مضادة الْأنس وَالْإِنْسَان
مُخَالفَته البهيمية فَيذكرُونَ أَحدهمَا فِي مضادة الآخر وَيدل على ذَلِك أَن اشتقاق الْإِنْسَان من النسْيَان وَأَصله إنسيان فَلهَذَا يصغر فَيُقَال أنيسيان وَالنِّسْيَان لَا يكون إِلَّا بعد الْعلم فَسُمي الْإِنْسَان إنْسَانا لِأَنَّهُ ينسى مَا علمه وَسميت الْبَهِيمَة بَهِيمَة لِأَنَّهَا أبهمت عَن الْعلم والفهم وَلَا تعلم وَلَا تفهم فَهِيَ خلاف الْإِنْسَان والإنسانية خلاف البهيمية فِي