وَيكون لوُقُوع ضَرَر قد كَانَ أَو توقع ضَرَر يكون أَو يتوهمه وَقد سمي الْحزن الَّذِي تطول مدَّته حَتَّى يذيب الْبدن هما وشتقاقه من قَوْلك انهم الشَّحْم إِذا ذاب وهمه أذبه
أَن الْحزن تكاثف الْغم وغلظه مَأْخُوذَة من الأَرْض الْحزن وَهُوَ الغليظ الصلب وَالْكرب تكاثف الْغم مَعَ ضيق الصَّدْر وَلِهَذَا يُقَال لليوم الْحَار يَوْم كرب أَي كرب من فِيهِ وَقد كرب الرجل وَهُوَ مكروب وَقد كربه إِذا غمه وضيق صَدره
أَن الكآبة أثر الْحزن البادي على الْوَجْه وَمن ثمَّ يُقَال علته كآبة وَلَا يُقَال علاهُ حزن أَو كرب لِأَن الْحزن لَا يرى وَلَكِن دلَالَته على الْوَجْه وَتلك الدلالات تسمى كآبة وَالشَّاهِد قَول النَّابِغَة من الطَّوِيل
(إِذا حل بِالْأَرْضِ الْبَريَّة أَصبَحت ... كئيبة وَجه غبها غير طائل)
فَجعل الكآبة فِي الْوَجْه
أَن الْحَسْرَة غم يَتَجَدَّد لفوت فَائِدَة فَلَيْسَ كل غم حسرة والأسف حسرة مَعهَا غضب أَو غيظ والآ الغضبان المتلهف على الشَّيْء ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى جَاءَ فِي معنى الْغَضَب وَحده فِي قَوْله تَعَالَى (فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم) أَي أغضبونا وَاسْتِعْمَال الْغَضَب فِي صِفَات الله تَعَالَى مجَاز وَحَقِيقَته إِيجَاب الْعقَاب للمغضوب عَلَيْهِ
أَن قَوْلنَا الْحزن يُفِيد غلظ اللَّهُمَّ وَقَوْلنَا البث يُفِيد أَنه ينبث وَلَا ينكتم من قَوْلك أبثثته مَا عِنْد وبثثته إِذا أعلمته إِيَّاه وأصل الْكَلِمَة كَثْرَة التَّفْرِيق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (كالفراش المبثوث) وقالى تَعَالَى (إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله) فعطف البث على الْحزن لما بَينهمَا من الْفرق فِي الْمَعْنى وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ