حَتَّى يَأْكُلهُ كُله وَجعلُوا تَحْرِيمه على نَفسه بِمَنْزِلَة قَوْله وَالله لَا آكل مِنْهُ شَيْئا
أَن الطغيان مُجَاوزَة الْحَد فِي الْمَكْرُوه مَعَ غَلَبَة وقهر وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (إِنَّا لما طغا المَاء) الْآيَة يُقَال طغا المَاء إِذا جَاوز الْحَد فِي الظُّلم والعتو الْمُبَالغَة فِي لامكروه فَهُوَ دون الطغيان
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وَقد بلغت من الْكبر عتيا) قَالُوا كل مبالغ فِي كبرا أَو كفر أَو فَسَاد فقد عتا فِيهِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (برِيح صَرْصَر عاتيه) أَي مُبَالغَة فِي الشدَّة وَيُقَال جَبَّار عَادَتْ أَي مبالغ فِي الجبرية وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وكأين من قَرْيَة عَتَتْ عَن امْر رَبهَا) يَعْنِي أَهلهَا تكبروا على رَبهم فَلم يطيعوه
أَن الْكفْر خِصَال كَثِيرَة على مَا ذكرنَا وكل خصْلَة مِنْهَا تضَاد خصْلَة من الْإِيمَان لِأَن العَبْد إِذا فعل خصْلَة من الْكفْر فقد ضيع خصْلَة من الْإِيمَان والشرك خصْلَة وَاحِدَة وَهُوَ ايجاد آلِهَة مَعَ الله أَو دون الله واشتقاقه ينبىء عَن هَذَا الْمَعْنى ثمَّ كثر حَتَّى قيل لكل كفر شرك على وَجه التَّعْظِيم لَهُ وَالْمُبَالغَة فِي صفته وَأَصله كفر النِّعْمَة لتضييعة حُقُوق الله وَمَا يجب عَلَيْهِ من شكر نعْمَة فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَافِر لَهَا ونقيض الشّرك فِي الْحَقِيقَة الْإِخْلَاص ثمَّ لم اسْتعْمل فِي كل كفر صَار نقيضة الْإِيمَان وَلَا يجوز أَن يُطلق اسْم الْكفْر إِلَّا لمن كَانَ بِمَنْزِلَة الجاحد لنعم الله وَذَلِكَ لعظم مَا مَعَه من الْمعْصِيَة وَهُوَ اسْم شَرْعِي كَمَا أَن الايمان اسْم شَرْعِي
أَن الْفسق فِي الْعَرَبيَّة خُرُوج مَكْرُوه وَمِنْه يُقَال للفأرة الفويسقة لِأَنَّهَا تخرج من جحرها للافساد وَقيل فسقت الرّطبَة إِذا خرجبت من قشرها لِأَن ذَلِك فَسَاد لَهَا وَمِنْه سمي الْخُرُوج من طَاعَة الله بكبيرة فسقا وَمن الْخُرُوج مَذْمُوم ومحمود وَالْفرق بَينهمَا وَبَين