الْبَاب السَّابِع عشر
فِي الْفرق بَين التَّكْلِيف والاختبار والفتنة والتجريب وَبَين اللطف والتوفيق وَبَين اللطف واللطف وَمَا يجْرِي مَعَ ذَلِك
أَن التلكيف إِلْزَام الْإِنْسَان مَا يشق عَلَيْهِ وَأَصله فِي الْعَرَبيَّة اللُّزُوم وَمن ثمَّ قيل كلف بفلانة يُكَلف بهَا كلفا إِذا لزم حبها وَمِنْه قيل الكلف فِي الْوَجْه للزومه إِيَّاه والمتكلف للشَّيْء الملزم بِهِ على مشقة وَهُوَ الَّذِي يلْتَزم مَا لَا يلْزمه أَيْضا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (وَمَا أَنا من المتكلفين) وَمثله الْمُكَلف والابتلاء هُوَ اسْتِخْرَاج مَا عِنْد الْمُبْتَلى وتعرف حَاله فِي الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة بتحميله الْمَشَقَّة وَلَيْسَ هُوَ من التَّكْلِيف فِي شَيْء فان سمي التَّكْلِيف ابتلاء فِي بعض الْمَوَاضِع فقد يجْرِي على الشَّيْء أسم مَا يُقَارِبه فِي الْمَعْنى وَاسْتِعْمَال الاتبدء فِي صِفَات اله تَعَالَى مجَاز مَعْنَاهُ أَنه يُعَامل العَبْد معاملهة الْمُبْتَلى لما عِنْده وَيُقَال للنعمة بلَاء لِأَنَّهُ يسْتَخْرج بهَا الشُّكْر والبلى يسْتَخْرج قُوَّة الشَّيْء بإذهابه إِلَى حَال البال فَهَذَا كُله أصل وَاحِد
أَن التحميل لَا يكون إِلَّا لما يستثقل وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى (لَا تحمل علينا إصرا) والإصر الثّقل والتكليف قد يكون لما لَا ثقل لَهُ نَحْو الاسْتِغْفَار تَقول كلفه الله الاسْتِغْفَار وَلَا تَقول حمله ذَلِك
أَن الِابْتِلَاء لَا يكون إِلَّا بتحميل الماره والمشاق والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب أَلا ترى أَنه يُقَال اختبره بالانعام عَلَيْهِ وَلَا يُقَال ابتلاه بذلك وَلَا هُوَ مبتلى بِالنعْمَةِ كَمَا قد يُقَال أَنه مختبر بهَا وَيجوز أَن يُقَال إِن الِابْتِلَاء يَقْتَضِي اسْتِخْرَاج مَا عِنْد الْمُبْتَلى من الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة والاختبار وُقُوع الْخَبَر بِحَالَة فِي ذَلِك وَالْخَبَر الْعلم الَّذِي يَقع بكنه الشَّيْء وَحَقِيقَته فَالْفرق بَينهمَا بَين