وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ فِي عُمُومَاتِ الشَّرْعِ عَمَّهُ كَلَامُ الْمُكَلَّفِ الْعَامِّ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ، لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَعَلَ مُدَّعِيهِ الدَّلِيلَ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَقَدْ احْتَجَّ الْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ عَلَى الْعُمُومِ بِأَنَّ لَفْظَةَ "مَنْ" إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ: مَنْ عِنْدَك، وَمَنْ كَلَّمْت؟ صَحَّ أَنْ يُجِيبَ بِذِكْرِ كُلِّ عَاقِلٍ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ "مَنْ" فِي الْمُجَازَاةِ كَقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْته صَلَحَ أَنْ يُسْتَثْنَى أَيُّ عَاقِلٍ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ لَمَا صَلَحَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنْ اللَّفْظِ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ، أَلَا تَرَاهُ لَمَّا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْعُقَلَاءِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صِيغَةَ "مَنْ" لِكُلِّ مَنْ يَعْقِلُ، "1لِأَنَّ مَنْ يَعْقِلُ مِنْ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يَدْخُلُونَ فِيهِ1" قِيلَ: الصِّيغَةُ تَنَاوَلَتْ كُلَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ، وَعَمَّنْ يَجُوزُ دُخُولُهُ، كَذَا قَالَ.
وَتَحْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَخْطِرُ بِبَالِ السَّائِلِ وَالْمُتَكَلِّمِ، وَلَا يَتَوَهَّمُهُ، فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَنْ يَخْطِرُ بِبَالِهِ لَمْ يُخَالِطْهُمْ، أَوْ كَانَ الْقَائِلُ أَحَدَهُمْ جَازَ، وَصَحَّ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَمُرَادُ الْقَاضِي لَا يُخَالِفُ هَذَا، وَكَذَا أَبُو الْخَطَّابِ لِمَا قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يُخْرِجُ إلَّا مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِيهِ لَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي ضَرَبْته إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .