إنَّمَا تَمْيِيزُ الْإِنْسَانِ بِهَذِهِ الْمَقَامَاتِ الَّتِي تَنْكَشِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ. مَنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْمَقَامَاتِ فَقَدْ رَقِيَ إلَى دَرَجَةِ الصِّدِّيقِينَ، وَإِلَّا فَكُلُّ أَحَدٍ إذَا خَلَا بِنَفْسِهِ، وَسَكَنَتْ طِبَاعُهُ لَمْ يَصْعُبْ عَلَيْهِ رِطْلٌ مِنْ الْمَاءِ، وَاسْتِقْبَالُ الْمِحْرَابِ، لَكِنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ هُوَ الْعَمَلُ {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] فَمَا تَنْفَعُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَعَ التَّبَتُّلِ: لِلْقُبْحِ بِالنَّهَارِ، وَمَا تَنْفَعُ إدَارَةُ السُّبْحَةِ بِالْغَدَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُسْلِمُونَ قَتْلَى أَفْعَالِك طُولَ النَّهَارِ: أَمْوَالُهَا فِي الْأَسْوَاقِ، وَأَعْرَاضُهَا فِي الْمَسَاطِبِ، مَنْ يَتَخَبَّطُهُ شَيْطَانُهُ بِأَنْوَاعِ التَّخْبِيطِ، وَيَتَلَاعَبُ بِهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كُلَّ التَّلَاعُبِ لَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهُ رُكَيْعَاتٌ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قَدْ قَنِعَ مِنْك بِالْفُرُوضِ الْمَوْظُوفَةِ مَعَ سَلَامَةِ النَّاسِ مِنْ يَدِك وَلِسَانِك وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ1.
وَهَذَا ظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ، فَإِنَّ فِيهِ مَنْ انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ عَمَلٍ بِقَلْبِهِ بِدَوَامِ ذِكْرٍ أَوْ فِكْرٍ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يُعْدَلُ بِهِ أَلْبَتَّةَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَالِمَ بِاَللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَالِمِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ، وَبِثَمَرَاتِهِ، فَكُلُّ صِفَةٍ تُوجِبُ حَالًا: يَنْشَأُ عَنْهَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ، فَمَعْرِفَةُ سَعَةِ الرَّحْمَةِ تُثْمِرُ الرَّجَاءَ، وَشِدَّةُ النِّقْمَةِ تُثْمِرُ الْخَوْفَ الْكَافَّ عَنْ الْمَعَاصِي، وَتُفَرِّدُهُ بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرُ يُثْمِرُ التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُ والهبة ومعرفة
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .