وَفِي الْفُنُونِ: قَدِمَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ الْمَدِينَةَ, فَرَأَى ابْنَ الْجَوْهَرِيِّ1 الْوَاعِظَ الْمِصْرِيَّ يَعِظُ, فَعَلَا صَوْتُهُ, فَصَاحَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَالنَّبِيُّ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّوْقِيرِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَحَالِ حَيَاتِهِ, فَكَمَا لَا تُرْفَعُ الْأَصْوَاتُ بِحَضْرَتِهِ حَيًّا وَلَا مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ, فَكَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ, انْزِلْ, فَنَزَلَ ابْنُ الْجَوْهَرِيِّ, وَفَزِعَ النَّاسُ لِكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ, قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِأَنَّهُ كَلَامُ صِدْقٍ وَحَقٍّ وَجَاءَ عَلَى لِسَانِ مُحِقٍّ, فَنَحْكُمُ عَلَى سَامِعِهِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ هَذَا أَدَبٌ مُسْتَحَبٌّ بَعْدَ الْمَوْتِ, وَقَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِلْإِنْصَاتِ لِكَلَامِهِ إذَا قَرَأَ بَلْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْقِرَاءَةِ, بَلْ يُسْتَحَبُّ, فَهُنَا أَوْلَى, وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي مَبَاحِثِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُهُ, فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ2. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَيُّوبَ, فَسَمِعَ لَغَطًا فَقَالَ: مَا هَذَا اللَّغَطُ, أَمَا بَلَغَهُمْ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ؟ وَعَنْ السَّرِيِّ بْنِ عَاصِمٍ3 أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ فَسَمِعَ كَلَامًا فَقَالَ: مَا هَذَا كُنَّا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ فَسَمِعَ كَلَامًا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ كَانُوا يَعُدُّونَ الْكَلَامَ عِنْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كرفع الصوت فوق صوته.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .