الحكم فِي التَّأَخُّر كَمَا فعل مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ السَّحَرَة
والتأخر أحسن موقعا وَأعظم قدرا وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى للسحرة وَقد خيروه بَين أَن يَبْتَدِئ هُوَ أَو أَن يبتدئوا قبله فَاخْتَارَ بداءتهم أَولا ثمَّ ألْقى هُوَ بعدهمْ وَفِي ذَلِك وُجُوه كَثِيرَة من الْحِكْمَة
مِنْهَا أَن الْمُبْطل يستفرغ وَسعه ويستنفذ حيله وَلَا يبْقى لَهُ شَيْء يُقَال إِنَّه لَو أَتَى بِهِ لغلب
وَمِنْهَا أَن يكون هُوَ الْبَاغِي فَيكون أدعى إِلَى نصْرَة الْحق والمحق عَلَيْهِ
وَمِنْهَا أَن نفوس النَّاس دَائِما تستشرف إِلَى الْمُجيب أَكثر من السَّائِل وَإِلَى الْمُتَأَخر فِي المغالبات والمقارعات أَكثر من استشرافها إِلَى الأول فَيكون ظفره وغلبه أعظم موقعا
وَمِنْهَا أَن همة المحق تقوى وتتضاعف إِذا شَاهد خَصمه وَقد وضع لَهُ أَسبَاب الْغَلَبَة واستنفذ سهامه فَتَصِير همته على مِقْدَار مَا شَاهد من كيد خَصمه وَمِنْهَا أَن اللَّغط يصفو وَيَنْقَطِع هيج البدوات وهرجها وَمِنْهَا أَن يجمع همه وعزمه ويستعد للمقابلة وَمِنْهَا أَنه يَأْمَن رُجُوع خَصمه واستقالته فَإِن خَصمه قد يرجع عَن مقارعته إِذا رأى قوته واستظهاره فَلَا تظهر غلبته فَإِذا بَدَأَ خَصمه أَمن من رُجُوعه واستقالته