الحقيقة أن هذه إشادة بالعقل تُعَدِّيه طوْره وتتجاوز به حَدَّه، إذْ كماله الحقيقي أن يكون تابعاً لما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم محكّماً له في كل شيء وإلا حصل الضلال ولا بد.
ومما قال صاحب كتاب توحيد الخالق عن العقل في (ص161، 162) من كتابه: (قال: كما يعجز عن إدراك بداية الزمان أو يحيط بنهايته، وكذلك يكِلّ ويعجز عن إدراك نهاية المكان) انتهى كلامه.
هذا نصفه صحيح ونصفه غلط، فالعقل يعجز عن إدراك بداية الزمان ويعجز أيضاً عن الإحاطة بنهايته.
أما العجز عن إدراك نهاية المكان فليس هذا على إطلاقه، فأرباب العلم الحديث ومن قلدهم يقولون هذا الكلام باعتبار ما في خيالاتهم من سعة الكون التي لا نهاية لها وأنه مُرَكّب من كواكب وشموس وأقمار في فضاء لا ينتهي، فعلى مقتضى هذا المعتقد الضّال يعجز العقل عن إدراك نهاية المكان، وهذه عَدْوى أصابتْ المقلِّدة وسيأتي إن شاء الله الكلام على زعمهم أن الكوْن يتسع ويستدلون بقوله تعالى: (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) وهو باطل وضلال، وقد فسر الآية المتأخرون على مقتضى نظريات الغرب الضالة والمضلة.
والمراد أن إدراك نهاية المكان ممكنة للعقل كما أن ذلك ورد في الشرع.