فَقلت: من مَعَك وَرَاء السّتْر؟ فَقَالَت: مَا معي أحد.
فَقلت: أما التَّدْبِير فِي أَمرك، فَمَا لي فِيهِ حِيلَة، وَأما المشورة، فقد قَالَ النبطي: لَا تبع أَرْضك من إقدام الرجل السوء، فَإِن الرجل السوء يَمُوت، وَالْأَرْض تبقى، فدعَتْ لي، وانصرفت.
فَمَا انْقَضى كَلَامه، حَتَّى خرج مُوسَى، فَقَالَ لدواد: يَا أَبَا سُلَيْمَان، لَا تبع أَرْضك من إقدام الرجل الرَّدِيء، فَإِنَّهُ يَمُوت، وَالْأَرْض تبقى.
فَقَالَ لي دَاوُد: أسمعت؟ هَذَا وَالله الْمَوْت، أَيْن أهرب؟ أَيْن أمضي؟ مَا آمنهُ وَالله على نَفسِي، وَلَا على نعمتي، فأشر عَليّ بِمَا أصنع، قبل نَفاذ طريقنا، ونزولنا مَعَه إِلَى الدِّيوَان.
فَقلت: وَالله، مَا أَدْرِي.
فَرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي أمره، وشره، وضره، فَإنَّك تعلم قصتي، وَأَنِّي مَا أردْت بِمَا قلت إِلَّا الْخَيْر، وَاشْتَدَّ قلقه وبكاؤه ودعاؤه.
وقربنا من الدِّيوَان، فَقَالَ مُوسَى، وَهُوَ على دَابَّته: مَتى حدث هَذَا الْجَبَل الْأسود فِي طريقنا؟ وَمَال على سَرْجه حَتَّى سقط، وأسكت.
فَحمل إِلَى منزله، وَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ.