وَقمت إِلَى فرسي، فأصلحت من أمره، ثمَّ رجعت وَقد حسر الْعِمَامَة عَن رَأسه، وَإِذا غُلَام كَأَن وَجهه الدِّينَار المنقوش.
فَقلت: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، مَا أعظم قدرتك، وَمَا أحسن صنعتك؟ فَقَالَ لي: مِم ذَلِك؟ فَقلت: لما راعني من جمالك، وَمَا بهرني من نورك.
فَقَالَ: وَمَا الَّذِي يروعك من حبيس التُّرَاب، وأكيل الدَّوَابّ؟ وَمَا يدْرِي أينعم بعد ذَلِك، أم يبتئس.
قلت: لَا يصنع الله بك إِلَّا خيرا.
ثمَّ تحدثنا سَاعَة، فَأقبل عَليّ، فَقَالَ: مَا الَّذِي سمطت فِي سرجك؟ قلت: شرابًا، أهداه إِلَيّ بعض أَهلِي، فَهَل لَك فِيهِ من أرب؟ فَقَالَ: أَنْت وَذَاكَ.
فَأتيت بِهِ، فَشرب مِنْهُ، وَجعل، وَالله، ينكت بِالسَّوْطِ أَحْيَانًا على ثناياه، فيتبين لي أثر السَّوْط فِيهِنَّ.
فَقلت: مهلا، إِنَّنِي أَخَاف أَن تكسرهن.
فَقَالَ: وَلم؟ قلت: لِأَنَّهُنَّ رقاق عَذَاب.
قَالَ: ثمَّ رفع صَوته يُغني:
إِذا قبّل الْإِنْسَان آخر يَشْتَهِي ... ثناياه لم يَأْثَم وَكَانَ لَهُ أجرا
فَإِن زَاد زَاد الله فِي حَسَنَاته ... مَثَاقِيل يمحو الله عَنهُ بهَا الوزرا
قَالَ: ثمَّ قَامَ إِلَى فرسه، فَأصْلح من أمره، ثمَّ رَجَعَ، فبرقت لَهُ بارقة تَحت